تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (19)

الآية 19 وقوله تعالى : { ربنا باعد بين أسفارنا } فيه لغات من خمسة أوجه :

أحدها : { ربنا باعد } . [ والثاني ]{[16976]} : بعِّد ، وكلاهما{[16977]} على الدعاء والسؤال . والثالث : بعُد [ والربع ]{[16978]} بُعِد . قال أبو معاذ : ولولا تغيير الكتابة لكان يجوز بوعد [ والخامس : باعد ]{[16979]} .

ومن قرأ ربنا باعد فعلى الخبر ، وكذلك بعّد ، ومن قرأ : بَعُد بين أسفارنا يخرّج على الشكاية عما بعُد من أسفارهم . فأما على السؤال والدعاء فهو ، والله أعلم ، لأنهم سئِموا ، وملّوا لكثرة ما أنعم الله عليهم ، ورفع عنهم المؤن ، وطال مقامهم فيها ، سألوا ربهم أن يحوّل ذلك عنهم سفها منهم وجهلا . وكانوا كقوم موسى حين أنزل عليهم المنّ والسلوى ، ورفع عنهم المؤنة ، سئِموا ، وملّوا . في ذلك قالوا : { يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يُخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها } [ البقرة : 61 ] وما ذكروا . فعلى ذلك هؤلاء .

ومن قرأ : ربنا بَعُد بين أسفارنا فعلى الشكاية [ شكَوا إلى ربهم ]{[16980]} لِما ذهب عنهم السّعة والخصب ، وأصابهم الجهد والمؤنة .

وأما قوله : باعد فعلى الخبر . فكأنه [ كان فيهم ذلك ]{[16981]} كله : فيهم من سأل تحويله ، وفيهم من شكا إذا زال ذلك ، وتحوّل ، وفيهم من أخبر بزواله .

وعلى ذلك يخرّج قول موسى لفرعون حين{[16982]} : { قال لقد علِمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر } [ الإسراء : 102 ] لا أنه كان أحدهما . فعلى ذلك الأول وما يشبه ذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فجعلهم أحاديث } أي أهلكناهم كل إهلاك حتى صاروا عظة وعبرة لمن بعدهم ، يقول{[16983]} : { فجعلناهم أحاديث } الناس على حقيقة الحديث ، يتحدثون بأمرهم وشأنهم [ وكذلك قوله ]{[16984]} : { ومزّقناهم كل ممزّق } أي فرّقناهم كل تفريق أي في كل أوجه التفريق حتى وقع بعضهم بمكة ، وبعضهم بالمدينة ، وبعضهم بالشام ، وبعضهم بالبحرين وعُمان ، ونحوه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } يحتمل أن يكون الصبار والشكور ، هو المؤمن ، كأنه قال : إن في ذلك لعبرا وعِظات لكل مؤمن أو آيات { لكل صبار } على البلاء والمحارم { شكور } لنعم الله .

ثم يخرّج على وجهتين :

أحدهما : في الاعتقاد له .

والثاني : في المعاملة ، يعتقد الصبر لربه على جميع أوامره ونواهيه والشكر له على جميع نعمائه ، والمعاملة : أن يصبر على ذلك ، ويشكر له في نعمه .


[16976]:في الأصل وم: أدرج في معجم القراءات القرآنية ثمانية وجوه، انظر ذلك ج5/154 و155 و156.
[16977]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[16978]:ساقطة من الأصل وم.
[16979]:ساقطة من الأصل وم.
[16980]:في الأصل وم: شكا على ربه.
[16981]:في الأصل وم: كانت فيهم وذلك.
[16982]:في الأصل وم: حيث.
[16983]:في الأصل وم: وقال.
[16984]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.