تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَةٞۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ} (15)

الآية 15 وقوله تعالى : { لقد كان لسبأٍ في مسكنهم آية } تحتمل الآية التي ذكر لهم في مساكنهم الجنتين اللتين ذكرهما :

إحداهما : عن اليمين : والأخرى عن الشمال . ويكون لهم فيهما عبرة ، فتحملهم على الشكر لربهم عليهما والحمد له والثناء في تلك النّعم ، أو تذكّرهم قدرة خالقهم وسلطانه وهيبته ، فيحملهم ذلك على الخوف من العواقب والعقاب على خلافه ورجاء الثواب على طاعته ، فلم يتذكروا .

ويحتمل{[16962]} أن تكون الآية التي ذكر لهم في تبديل الجنتين اللتين كان لهم فيهما كل سعة وخصب وكل ألوان الفواكه والجواهر في غير مَؤُنة تلحقهم ، لأنه قال في غير آية{[16963]} من القرآن : { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } [ الأنعام : 11 ] فأخبر ههنا لهم أن لهم في تبديل جنّتهم جنتين آية ، لو اعتبروا ، واتّعظوا ، [ لما وقعت ]{[16964]} لهم الحاجة إلى النظر في آيات من تقدم منهم ، بل العبرة في ذلك لهم أكثر ، لأنهم عاينوا هذا على ما عاينوا من أنواع النعم . ثم غُيّر ذلك ، وبُدّل عليهم . ومن{[16965]} تقدم منهم إنما يعرفون ذلك عن خبر يبلغهم لأن أصلهم قد هلك . وهذا على المشاهدة والمُعاينة .

وقوله تعالى : { عن يمين وشمال } قيل : عن يمين الوادي وشماله . ويحتمل عن يمين الطريق وشماله ، فيكون عن يمينهم وشمالهم .

وقوله تعالى : { كُلوا من رزق ربكم واشكروا له } كأنه قالت لهم الرسل : { كلوا من رزق ربكم واشكروا له } إذ ذكر أنه بعث فيهم كذا كذا رسولا . ثم وصف بلدة سبأ أنها طيبة حين{[16966]} قال : { بلدة طيبة } : يحتمل ما ذكر من طيبها سعتها وكثرة ريعها ومياهها وألوان ثمارها وفواكهها .

وقوله تعالى : { وربٌّ غفور } أي إن ربكم إن شكرتم في ما رزقكم ، وأنعم عليكم ربّ غفور لذنوبكم ، أو يقال : { ورب غفور } أي ستور ، يستر عليكم ذنوبكم ، ولا يفضحكم ، إذا صدقتموه ، وأطعتموه ، وشكرتم نعمه .

ذُكر أن المرأة منهم كانت ، تحمل /435-أ/ المكتل على رأسها ، والمِعول بيدها ، فتدخل البستان ، فيمتلئ مكتالها من ألوان الفواكه والثمار من غير أن تمسّ شيئا بيدها لكثرة ريعها ونزُلها . والله أعلم .

ثم ذِكر سبب تبديل الجنتين اللتين كانتا لهما وبما كان التبديل :


[16962]:في الأصل وم: أو.
[16963]:في الأصل وم: آي.
[16964]:في الأصل وم: فلا تقع.
[16965]:في الأصل وم: وما.
[16966]:في الأصل وم: حيث.