تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} (43)

الآية 43 وقوله تعالى : { فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا } { استكبارا في الأرض } لما ذكرنا . وقوله تعالى : { ومكر السّيء } يحتمل مكرهم ما مكروه{[17346]} برسول الله من أنواع المكر حين همّوا بقتله وإخراجه كقوله : { وإذ يمكُر بك الذين كفروا ليُثبتوك } الآية [ الأنفال : 30 ] .

ويحتمل أيضا ما ذُكر أنه لما خرج ، ودعا الناس إلى توحيد الله أقعدوا على الطرق والمراصد ناسا يقولون لمن قصد الرسول : إنه ساحر ، وإنه كذاب ، وإنه مجنون ، يصدّون الناس بذلك عنه ، فذلك كيدهم ومكرهم به . وقد كان منهم برسول الله من أنواع المكر سوى ذلك مما لا يُحصى .

وقوله تعالى : { ولا يحيق المكر السّيء إلا بأهله } هو في الدنيا من أنواع العذاب والقتل الذي نزل بهم . ويحتمل أن يكون ذلك في الآخرة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فهل ينظرون إلا سنّة الأولين } قال بعضهم : ما ينظرون إلا سنّة الأولين : وسنّة الأولين ، هي الاستئصال والإهلاك عند العناد والمكابرة . وقال بعضهم : ما ينظرون بإيمانهم إلا سنّة الأولين ، وسنّة الأولين الإيمان عند معاينتهم العذاب ، وإن كان لا يُقبل ، ولا ينفعهم ذلك كقوله : { فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده } الآية [ غافر : 84 ] .

وقوله تعالى : { فلن تجد لسنّة الله تبديلا ولن تجد لسنّة الله تحويلا } هذا يحتمل وجوها :

أحدها : { فلن تجد لسنّة الله } وهي الاستئصال عند العناد والمكابرة { تبديلا ولن تجد لسنّة الله تحويلا } وإن اختلفت جهة الإهلاك والاستئصال كقوله : { يضاهئون قول الذين كفروا من قبل } [ التوبة : 30 ] وقوله : { تشابهت قلوبهم } [ البقرة : 118 ] لا شك أن نفس القول منهم مختلف في الكفر ، وسببه متفرّق .

ثم أخبر أن قول هؤلاء ضاهأ قول أولئك [ وأن قلوبهم تشابهت ]{[17347]} وإن كان سبب ذلك سنّة ، لا تحوَّل ، ولا تبدَّل ، وهي الاستئصال ، وإن كانت جهة ذلك وسببه مختلفا .

والثاني : { فلن تجد لسنّة الله } التي سنّ فيهم ، وحكم { تبديلا ولن تجد لسنّة الله تحويلا } مدفعا ولا مردّا ، أي لن يجدوا إلى دفع ما سنّ فيهم ، وحكم من العذاب والهلاك /443-ب/ [ مدفعا ولا مردّا ]{[17348]} كقوله : { ولا يجدون عنها محيصا } [ النساء : 121 ] .

والثالث : { ولن تجد لسنّة الله } وهي إيمانهم الذي يؤمنون عند معاينتهم العذاب وعند نزوله بهم { تبديلا ولن تجد لسنّة الله تحويلا } أي يؤمنون لا محالة . ولكن لا ينفعهم ذلك في ذلك الوقت .

والرابع : إن كل سنّة سنّ في كل قوم وكل أمة ، وإن اختلفت ، لن تجد لذلك تحويلا ، ولا تبديلا ، والله أعلم .


[17346]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: مكرهم.
[17347]:في الأصل وم: وتشابهت قلوب بعضهم بعضا.
[17348]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: ولا ردا.