تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ} (26)

قوله تعالى : { يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض } : يحتمل قوله : { جعلناك خليفة في الأرض } في جملة الأرض من الرسل والأنبياء والملوك وغيرهم على الشريف والوضيع ، والله أعلم . ويحتمل قوله عز وجل : { إنا جعلناك خليفة في الأرض } في الرسل خاصة . وكلا التأويلين يرجعان إلى واحد . إلا أن أحدهما يرجع إلى العامة منهم . والله أعلم .

وقوله تعالى : { فأحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى } ثم لم ينهه عن هوى النفس ولكن نهاه عن اتباع هواها ؛ إذ النفس قد تهوى في الحكم بغير حق حين قال : { فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى } لأن النفس أنشئت على الهوى والميل إلى اللذات والشهوات وعلى ذلك طبعت ، فيكون في هواها إلى ما تهوى مدفوعا غير مالك ولا قادر على دفعه . لذلك لم ينهه عن هواها ، ولكن نهاه عن اتباع هواها . ويقدر على منعها بالعقل وردها إلى اتباع الحق . لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فيضلك عن سبيل الله } ذكر أنه لو اتبع هواها ، إذا اتبعه المرء ، أضله عن سبيله . لكنه إذا اتبعه في شيء بعد شيء يحمله على الإضلال عن سبيله ؛ إذ من ضل عن سبيله إنما يضل لاتباعه هواه كقوله عز وجل : { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } الفرقان : 43 أخبر أن من اتخذ إلها دونه إنما اتخذه بهواه لا بحجة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب } أي تركوا الأعمال التي تعمل ليوم الحساب ، أو { بما نسوا } أي تركوا الإيمان به والإقرار ، والله أعلم .