تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ دَرَجَةٗۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (95)

الآية 95

وقوله تعالى : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم } قال الحسن : ( كان هذا في القوت الذي كان الجهاد تطوعا لأنه لو كان فرضا لكان لا معنى لقوله تعالى : { لا يستوي } كذا وكذا{[6373]} وهما غير مستويين : أحدهما : فرض عليه ، والآخر : لا ) . قيل له : هذا الذي ذكرت لا يدل على أن الجهاد ليس بفرض في ذلك الوقت .

ألا ترى أنه قال : { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } ( السجدة : 18 ) وقال : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم } ( الجاثية : 21 ) ، جمع بين متضادين ، ثم قال : { لا يستوون } ( السجدة : 18 ) . فعلى ذلك ( هذا ) {[6374]} وهو أولى .

وقوله تعالى : { غير أولي الضرر } استثنى أهل الضرر مجملا في هذه الآية ، وبين أمرهم ، وما أزال عنهم من فرض الجهاد في آية أخرى ، وهو قوله تعالى : { ليس على الأعمى حرج } ( النور : 61 ) وقوله عز وجل : { ليس على الضعفاء ولا على المرضى } الآية ( التوبة : 91 ) . وهذا مما أجمع عليه أهل العلم ، وأزالوا الحرج عمن كان في مثل هؤلاء الذين وصفهم الله تعالى ، وعذرهم في تخلفهم عن الجهاد .

وعن ابن عباس رضي الله عنه ، ( أنه ){[6375]} قال : لما ذكر الله تعالى فضيلة المجاهدين رغبهم في الجهاد بقوله : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين } الآية أتاه عبد الله بن أم مكتوم الأعمى ، فقال : يا رسول الله ذكر الله تعالى فضيلة المجاهدين على القاعدين ، وحالنا ما ترى ، ونحن نشتهي الجهاد ، فنزل{ غير أولي الضرر } فجعل لهم من الأجر ما للمجاهدين لزمانتهم . وعلى ذلك أكثر أهل التفسير . وقال الكسائي : الضرر مصدر الضرير ، والمضرور والضرير الأعمى ؛ يقال : ضر يضر فهو ضرير ومضرور إذا عمي .

وقوله تعالى : { وكلا وعد الله الحسنى } القاعد والمجاهد{ وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما } قيل : هذا الفضل للمجاهد على القاعد الذي قعد لا لعذر ، جعل له الأجر العظيم . وقوله تعالى : { فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة } : ( المجاهد ){[6376]} على القاعد الذي قعد لعذر ( جعل له ){[6377]} فضيلة عليه بدرجة . وفي الثاني جعل فضلية عليه بدرجات .

لكن قوله : { درجة }و{ درجات } ( النساء : 96 ) عندنا واحد . ألا ترى أنه تعالى قال : { وللرجال عليهن درجة } ( البقرة : 228 ) ليس ، هو( شيئا واحدا ){[6373]} واحد ، ولكنه أشياء ، والذي قعد لعذر يستوي والآخر {[6374]} الذي خرج إذا كان يتمنى أن يخرج إن قدر لأنه لو لم يكن كذلك لكان لا معنى للاستثناء ؟

وفي الآية دلالة أن فرض كفاية يسقط عن الباقين بقيام بعضهم ، وإن كان الخطاب يعمهم في ذلك ، وهو قوله تعالى : { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم } ( التوبة : 122 ) .

وفرض الخروج لطلب العلم فرض كفاية إذا خرج بعضهم ليطلبه يسقط عن الباقين ذلك . فعلى ذلك الجهاد وإن ذلك خلاف ما عاتب الله عليه الثلاثة الذين تخلفوا{[6375]} في سورة{ براءة } لأن أولئك تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال تعالى : { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله }صلى الله عليه وسلم{ ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه } ( الآية : 120 )فإنما عاتب أولئك لتخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .


[6373]:في الأصل وم: من كذا.
[6374]:ساقطة من الأصل وم.
[6375]:ساقطة من الأصل وم.
[6376]:ساقطة من الأصل وم.
[6377]:في الأصل وم: لأنه جعل.