تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (97)

الآية 97

وقوله تعالى : { إن الذين توفتهم الملائكة ظالمي أنفسهم } عن ابن عباس رضي الله عنها ( أنه ){[6381]} قال : ( نزلت الآية في قوم من المنافقين ، خرجوا مع المشركين إلى بدر ، فلما التقى {[6382]} المسلمون والمشركون أبصروا قلة المسلمين ، وهم مع المشركين على المؤمنين قالوا{[6383]} : { غر هؤلاء دينهم } ( الأنفال : 49 ) وأظهروا النفاق ، فقتلوا ) وعامتهم ضربت الملائكة ، ( قائلة لهم ){[6384]} : { فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض } ) .

وقيل : إنها نزلت في نفر أسلموا بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أقاموا عن الهجرة ، وخرجوا مع المشركين إلى القتال ، فلما رأوا قلة المؤمنين شكوا في النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : { غر هؤلاء دينهم } فقتلوا ، فقالت الملائكة : { فيم كنتم قالوا }كذا .

وقيل : نزلت في قوم أسلموا بمكة ، ولم يهاجروا ، وكانت الهجرة يومئذ مفترضة ، فكفروا بترك الهجرة يومئذ كقوله تعالى : { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } ( الأنفال : 72 ) فلا ندري كيف كانت القصة ؟ وليس لنا إلى معرفة القصة حاجة بعد أن نعرف{[6385]} ما أصابهم مماذا أصابهم ؟

وقوله تعالى : { قالوا فيم كنتم كنا مستضعفين } هذا يتوجه وجوها :

أحدها : مع من كنتم ؟ مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أو أعدائهم ؟

والثاني : { فيم كنتم } أي في دين من كنتم ؟ في دين محمد صلى الله عليه وسلم أو في دين أعدائه .

والثالث : { قالوا } بمعنى يقولون ، أي يقول لهم( الملائكة ){[6386]} في الآخرة : { فيم كنتم قالوا } كنا كذا . وبقولهم{[6387]}{ كنا مستضعفين في الأرض }اعتذروا أن كانوا مستضعفين في الأرض . وظاهر هذا أن منعنا من الخروج إلى الهجرة ، وحال المشركون بيننا وبين إظهار الإسلام فقالوا( لهم ){[6388]} : { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } يعني : المدينة واسعة آمنة لكم من العدو ، فتخرجوا إليها ، فتتقلبوا بين أظهرهم ، والله أعلم . كأنهم اعتذروا في التخلف عن ذلك لما كانوا يتقلبون بين أظهر الكفرة ، ويتعيشون فيهم ، فقالوا( لهم ){[6389]} : { ألم تكن أرض الله واسعة } ( فقطعوا عليهم الاعتذار ){[6390]} .

ويحتمل وجها آخر ؛ وهو أنهم إن منعوكم عن الإسلام ظاهرا ، وحالوا بينكم وبين إظهاره ، ألستم تقدرون على دين{[6391]} الإسلام سرا( فلا يعلموا ){[6392]} هم بذبك{ فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا }أخبر أن لا عذر لهم في ذلك .

وفي قوله تعالى : { فيم كنتم } دلالة إخبار الموتى في القبر والسؤال فيه عما عملوا في الدنيا ، والله أعلم .


[6381]:ساقطة من الأصل وم.
[6382]:في الأصل وم: التقت.
[6383]:في الأصل وم: فقال.
[6384]:ساقطة من الأصل وم.
[6385]:في الأصل وم: يعرف.
[6386]:ساقطة من الأصل وم.
[6387]:في الأصل وم: وقولهم.
[6388]:ساقطة من الأصل وم.
[6389]:ساقطة من الأصل وم.
[6390]:في الأصل وم: قطعوا عليهم.
[6391]:في الأصل وم: أديان.
[6392]:في الأصل وم: لا يعلمون.