تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَٰشِعَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡۚ إِنَّ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاهَا لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (39)

الآية 39 وقوله تعالى : { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } كقوله{[18533]} في ما تقدم : { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر } [ فصلت : 37 ] في ما ذكر من الآيات آيات وحدانيته وآيات قدرته وعلمه وتدبيره وآيات حكمته .

أما آيات وحدانيته في الليل والنهار والشمس والقمر [ فهي أنها ]{[18534]} إذا كان سلطان أحدهما [ على ]{[18535]} ليل أو نهار أو شمس أو قمر لم يمنع عن كون الآخر ، ولو كان ذلك فعل عدد لكان منع الآخر عن إتيان ما يذهب بسلطانه .

فإذا لم يكن دل أنه فعل واحد ، ودل جريان ما ذكر من الليل والنهار والشمس والقمر على سياق واحد وسنن واحد مُذ كانا إلى آخر ما يكونان{[18536]} على أن مُنشئَهما عليم مدبِّر ، علمه{[18537]} ذاتيّ ، وتدبيره{[18538]} ذاتيّ ، ليس بمستفاد ، ولا مكتسب ، ودل سيرهما وجريانهما في يوم واحد وليلة واحدة مسيرة كذا وكذا عاما على أن منشئهما قادر ، له قدرة ذاتية ، لا يعجزه شيء ، إذ القدرة المستفادة والمكتسبة لا تبلغ ذلك ، وكذلك في إحياء الأرض بعد موتها وإخراج النبات منها .

دلالة ذلك كله من دلالة الوحدانية ودلالة العلم الذاتي والحكمة والتدبير ، لأنه لما أحياها بعد موتها ، وأماتها بعد إحيائه إياها دل أنه فعل واحد لا عدد [ لأنه لو كان فعل عدد ]{[18539]} لكان إذا أحيى هذا منع الآخر عن الإماتة ، وكذا إذا أمات هذا منع الآخر عن الإحياء على ما يكون من فعل ذي عدد من ملوك الأرض فإذا لم يمنع ذلك دلّ أنه فعل واحد . ودلّ جريان ذلك كله في كل عام على مجرى واحد وسنن واحد وعلى مقدار واحد من النبات وغيره على أنه كان بعلم ذاتيّ وحكمة ذاتيّة .

ودلت القدرة على إحيائها بعد موتها وإماتتها بعد حياتها أن له قدرة ذاتية ، لا يعجزه شيء من البعث وغيره ثم جعل ، جل ، وعلا ، في الماء معنى يوافق ذلك المعنى جميع النبات الخارج من الأرض على اختلاف [ أجناسه وجواهره ]{[18540]} حتى تكون حياة كل شيء من ذلك به . إن ذلك كان كذلك بلطف منه ، لا يبلُغه فهم البشر ولا علمهم . ثم ذلك النبات مع لينه وضعفه ورقّته يشُقّ تلك الأرض مع شدتها وصلابتها ، ويخرج منها ما لا يتوهّم خروج أشد الأشياء منها بفعل أحد سواه [ دلّ ]{[18541]} ذلك على قدرته ولطفه ، والله أعلم .

ثم قوله تعالى : { أنك ترى الأرض خاشعة } أي ميّتة خشنة { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت } أي تحركت بنباتها [ { ورَبَت } أي صارت ]{[18542]} حية .

وقوله تعالى : { وربت } أي تربو ، وتزيد بما{[18543]} عليها من النبات .

قال القتبي : { اهتزّت } بالنبات { وربت } علت ، وانتفخت . وقال أبو عوسجة : { اهتزت } أي فرحت { وربت } من الزيادة .

وقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى } هو ما ذكرنا : أن الذي ملك ، وقدر ، على إحيائها قادر على إحياء الموتى بعد موتهم { إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي لا يعجزه شيء .


[18533]:في الأصل وم: الآية وقال.
[18534]:في الأصل وم: هو أنه.
[18535]:ساقطة من الأصل وم.
[18536]:من م، في الأصل: يكون.
[18537]:في الأصل وم: علم.
[18538]:في الأصل وم: وتدبير.
[18539]:من م، ساقطة من الأصل.
[18540]:في الأصل وم: أجناسها وجواهرها.
[18541]:ساقطة من الأصل وم.
[18542]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: وتزينت وصارت.
[18543]:الباء ساقطة من الأصل وم.