تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞إِلَيۡهِ يُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَٰتٖ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ أَيۡنَ شُرَكَآءِي قَالُوٓاْ ءَاذَنَّـٰكَ مَامِنَّا مِن شَهِيدٖ} (47)

الآية 47 وقوله تعالى : { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ } أجمع من آمن بالله تعالى ، وصدّق رسله عليهم السلام من أهل السماء وأهل الأرض أن ليس /487–أ/ عندهم علم بوقت الساعة ، فإن ذلك خفيّ عليهم ، لا يعلمونه ، وإن علم ذلك عند الله ، وهو ما قال عز وجل : { يسألونك عن الساعة أيان مرساها } الآية [ الأعراف : 187 والنازعات : 42 ] غير الباطنية والرّوافض فإن علم ذلك عندهم على مذهبهم وفي زعمهم .

أما الرّوافض فإنهم يعدّون الأئمة ، ويقولون : إن الساعة على إمام كذا وفي زمان كذا .

وأما الباطنية فيقولون : إن اسم الساعة والقيامة ونحو ذلك إنما هو اسم قائم الزمان ، وإنه [ فلان ]{[18596]} فعلى قولهم يظهر وقت قيامها ، فهو خلاف ما ذُكر في الكتاب وما أجمع عليه أهل السماء والأرض ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ }{[18597]} جائز أن يكون ما ذكر من إخراج الثمرات{[18598]} من الأكمام وما ذكر من حمل الأنثى ووضعها هو{[18599]} موصول بقوله تعالى : { إليه يُردّ علم الساعة } فإن كان ذلك فمعناه : لا يعلم [ ذلك ]{[18600]} كله إلا هو ؛ لا يعلم [ أحد ]{[18601]} وقت خروجها ولا حدّها وأنها تخرج أو لا ، وكذلك الولد لا يعلم [ أحد ]{[18602]} كيفية علوقه ولا وقته ولا مقداره وأنه يعلق أو لا . علم ذلك إلى الله تعالى كعلم الساعة ، والله أعلم .

وجائز أن يكون قوله : { وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ } على الابتداء ليس على الصلة بالساعة ، ولكن موصولا بما تقدم من قوله : { وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } . . . { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشعةً } [ فصلت : 37 و38 و39 ] إلى ما ذكر . فعلى ذلك يقول ، والله أعلم :

ومن آيات ألوهيته ووحدانيته وآيات قدرته وعلمه وتدبيره أن تخرج الثمرات من أكمامها ، ومن آياته أن تحمل الأنثى ، وتضع{[18603]} .

إن الله تعالى أنشأ تلك الثمرات{[18604]} في الأكمام وكذا الولد في البطن في حُجُب وسواتر ، ورباه في تلك الحُجب والسواتر ، وغذّاه بأغذية ، ودفع عنه جميع الأذى من البرد والحر وجميع ما يؤذيه لضعفه ولطافته لطفا منه ورحمة ، وصوّره في تلك الحُجب والسواتر بأحسن صورة لتُعلَم ألوهيته ووحدانيته وأن له علما ذاتيا وقدرة ذاتية أزلية لا مكتسبا مستفادا ؛ إذ العلم المستفاد والقدرة المستفادة لا تبلغ ذلك ، والله أعلم .

ثم قوله تعالى : { من أكمامها } أي المواضع التي كانت فيه مستترة ، وغلاف كل شيء كُمُّه ، وإنما قيل : كُمُّ القميص [ منه ]{[18605]} .

وقال أبو عوسجة : أكمامهما أغطيتها{[18606]} التي تكون فيها قبل أن تشقّق عنها ، والتفتُّق : التشقُّق ، يقال : تَفتَّقت الأكمام عن الثمرة أي تَشَقَّقت .

وقوله تعالى : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي } يذكر لهم ، ويخبر عما يسألون يوم القيامة وما يكون من جوابهم لذلك السؤال لعلهم يمتنعون عن ذلك ، ويحذرونه . يقول : { ويوم يناديهم أين شركائي } الذين تزعمون أنهم شركائي في الدنيا ؟ أو أين الذين [ كنتم ]{[18607]} تعبدون في الدنيا ، وتزعمون أنها آلهة ، وأنهم{[18608]} شفعاؤكم عندي ؟ وإلا لا يحتمل أن يقول لهم الرّب ، جل ، وعلا : { أين شركائي } ولا شريك له ، ولا إله غيره ، ولكن ما ذكرنا .

وقوله تعالى : { آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ } قال بعضهم : { آذنّاك } أسمعناك ، وقيل : أعلمناك .

والأشبه أن يكون معنى { آذنّاك } أخبرناك ؛ إذ الله تعالى كان عالما بذلك ؛ وإعلام العالم لا يتحقق ، أما الإخبار للعالم عن الشيء فيتحقق بما علم به ، والله أعلم .

ثم اختلف في ذلك : أنه قول مما{[18609]} قال بعضهم : هو قول أولئك الكفرة الذين يؤذون يومئذ ؛ يقولون : أخبرناك أن لم يكن منا أحد شهيدا بذلك ، أو يقولون بالشريك : [ إن ما لهم ]{[18610]} سواك ، يخرّج على الإنكار والجحود والكذب أنهم لم يقولوا ذلك ، ولم يفعلوا ، وهو كما ذكر عنهم في آية أخرى : { ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا } الآية [ الأنعام : 22 ويونس : 28 ] فقالوا : { والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 23 ] أنكروا ما كان منهم من الإشراك . فعلى ذلك قوله : { قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ } أي لم نشرك بك أحدا ، ولم نتخذ من ذلك إلها ، والله أعلم .

وقال بعضهم : قوله : { قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ } هذا من قول الأصنام والذين عبدوهم من دون الله في الدنيا ؛ يقولون : { ما منا من شهيد } على عبادة أولئك إيانا ، ولا أمرناهم بذلك . وهو كقولهم{[18611]} : { و قال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون } [ يونس : 28 ] وقولهم : { بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا } [ غافر : 74 ] أخبروا أنهم كانوا غافلين عن عبادتهم إياهم وأنه ما أمروهم بها . فعلى ذلك قوله تعالى : { آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ } أي أخبرناك . وقوله تعالى : { آذناك } على هذا التأويل هو ما ذكروا { إن كنا عن عبادتكم لغافلين } [ يونس : 29 ] والله تعالى أعلم .

ثم إن الكفرة في يوم القيامة مرة أنكروا عبادتهم غير الله ، وأحيانا أقرّوا بها [ ولم يتبرّؤوا ]{[18612]} منها ، ومرة سألوا الرجوع إلى المحنة والرّد إلى الدنيا على اختلاف الأحوال والأوقات في ذلك اليوم ؛ إذ لا تكون هذه الأسئلة المختلفة في وقت واحد ، والله أعلم .


[18596]:من م، ساقطة من الأصل.
[18597]:في الأصل وم: ثمرة، انظر معجم القراءات القرآنية ح6/77.
[18598]:في الأصل وم: الثمرة.
[18599]:في الأصل وم: وهو.
[18600]:ساقطة من الأصل وم.
[18601]:ساقطة من الأصل وم.
[18602]:ساقطة من الأصل وم.
[18603]:في الأصل وم: وتضعه
[18604]:في الأصل وم: الثمر.
[18605]:ساقطة من الأصل وم.
[18606]:في الأصل وم: غطاؤها.
[18607]:ساقطة من الأصل وم.
[18608]:في الأصل وم: وأنها.
[18609]:في الأصل وم: من.
[18610]:في الأصل وم: أوماله.
[18611]:في الأصل وم: قوله.
[18612]:في الأصل وم: وتبرؤوا.