تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

الآية 3 وقوله تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } قال أهل التأويل : إنا أنزلنا /502-ب/ الكتاب أي القرآن في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا . ثم أُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالتفاريق .

ويحتمل أن تكون الهاء راجعة إلى قوله : { حم } أي قضى ما هو كائن على ما قال بعض أهل التأويل : إن ما قضى في كل سنة من الموت والحياة والرزق ونحو ذلك ينزل في ليلة القدر ، ونسخُه{[19071]} إلى الملائكة الذين وُكّلوا على ذلك . فهذا يحتمل .

ويحتمل أن تكون الهاء راجعة إلى ما ضمّن في قوله { حم } على ما أراد به ، والله أعلم .

ويحتمل أنه أراد بهذا إنزال شيء وأمر في ليلة القدر ، عرفه{[19072]} رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فيُخبر أنه أنزل ذلك ، ولم يبيّنوا لنا ذلك لما لا حاجة لنا إلى معرفته .

وقال الرّوافض في قوله : { إنا أنزلناه } : إن الله تعالى أنزل شيئا على رسوله ، يكون ذلك الشيء على رأسه وعلى رؤوس الأئمة الذين يكونون بعده بحيث يرون ذلك دون غيرهم إذا استقبلهم أمرا ، أو بدا لهم شيء ، نظروا في ذلك الشيء ، فعرفوا{[19073]} ما احتاجوا وما يكون لهم من الصلاح ، أو كلام نحو هذا .

وأما عند أهل التأويل فهو ما ذكرنا راجع إلى ذلك الكتاب المُنزَل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى ما ذكرنا من تضمين ما ضمّن في قوله : { حم } وكذلك قالوا أيضا في قوله : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } [ القدر : 1 ] .

وقوله تعالى : { في ليلة مباركة } وهي ليلة القدر ، سمّاها مباركة ، وقد سمّى المطر والماء المُنزَل من السماء [ مباركا بقوله ]{[19074]} تعالى : { ونزّلنا من السماء ماء مباركا } [ ق : 9 ] وكذلك الأرزاق المُنزلة من السماء والمستخرجة من الأرض مباركة بقوله : { بركات من السماء والأرض } [ الأعراف : 96 ] والمبارك هو الذي عنده تُدرَك كل الخيرات . والبركة هي اسم كل خير يكون أبدا على الزيادة والنماء ، فسمّى تلك الليلة مباركة لم جعل فيها من الخيرات والبركات .

وقوله تعالى : { إنا كنا منذِرين } يحتمل { إنا كنا منذرين } الخلق إذا أُنشئوا ، وبلغوا المبلغ الذي يستوجبون الإنذار .

ويحتمل { إنا كنا منذرين } الخلق بالرسل ؛ هذا هو الظاهر أن هذا القول من الله تعالى ، والله أعلم : قال : { إنا كنا منذرين } بالقرآن بما أنزل على [ الرسول ]{[19075]} .


[19071]:في الأصل: ونسخها، في م: نسخها.
[19072]:الهاء ساقطة من الأصل وم.
[19073]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[19074]:في الأصل وم: كقوله.
[19075]:ساقطة من الأصل وم.