الآية 14 وقوله تعالى : { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون } أمر تعالى عز وجل المؤمنين بالعفو والصّفح عمّن أساء إليهم ، وظلمهم حتى أمرهم بالعفو والمغفرة عمّن ظلمهم ، وأساء إليهم من الكَفرة ليُعلم عظيم موقع العفو والصفح عن المظلمة والإساءة عند الله وما يكون لذلك من الثواب الجزيل ، والله أعلم .
إن قيل : إن هذه الآيات إنما نزلت بمكة ، ومن أسلم من أهل مكة بمكة كانوا مُستخفين مقهورين في أيدي الكفرة ، ثم لا يتهيأ لهم الانتصار منهم والانتقام عن مساوئهم ، وإنما يُؤمر المرء بالعفو عن مظلمة [ من ظلمه ]{[19192]} وأساء إليه ، عند مقدرة الانتقام منه والانتصار .
فأما من لا يكون على مقدرة من ذلك فلا معنى للأمر له بذلك ، إذ هو عاجز عن ذلك ، فيكون الأمر بالعفو والصّفح عنهم ، وإن كان أهل الإسلام منهم مقهورين مغلوبين في أيدي أولئك الكفرة على ما ذكر ثم لوجهين :
أحدهما : أنه أمرهم بذلك ليتقرّبوا بذلك إلى الله ، ويجعلوا ذلك وسيلة وقُربة في ما بينهم وبين ربهم ، وإن لم يكن لهم مقدرة الانتقام والانتصار منهم ليكون العفو عنهم بحق القربة [ لا بحق ]{[19193]} التذلّل والخشوع ؛ إذ يعفو كلّ عن اختيار وطوع ، ويصبر على ذلك ابتغاء وجه الله تعالى ، ويترك الجزع في نفسه والمخاصمة ، لو قدر على الانتقام ، وهو ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة بعدما أخبره أنهم يريدون أن يقتلوه أو يُخرجوه حين{[19194]} قال : { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليُثبتوك } الآية [ الأنفال : 30 ] لتكون الهجرة له إلى الله تعالى بحق القُربة لا بحق التذلّل بإخراجهم إياه ، والله أعلم .
والثاني : أن يرجع الأمر بالعفو إلى كل واحد منهم في خاصة نفسه ، وقد كان من المسلمين منهم من يقدر على الانتقام والانتصار من الأفراد والآحاد منهم ، وإن لم تكن لهم المقدرة على الانتقام من جُملتهم ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { لا يرجون أيام الله } هذا يُخرّج على وجوه :
أحدها : { أيام الله } أي نِعم الله الدائمة التي لا زوال لها ، ولا انقطاع ، التي وعدها في الآخرة لأهل الإيمان ، وهي{[19195]} ما قال في آية أخرى في قصة موسى على نبينا وعليه السلام حين{[19196]} قال : { وذكّرهم بأيّام الله } [ إبراهيم : 5 ] أي بنعم الله تعالى . ألا ترى أن موسى عليه السلام فسّر أيام الله بالنعمة حين{[19197]} قال على إثره : { وإذ قال موسى لقومه اذكُروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون } الآية ؟ [ إبراهيم : 6 ] .
والثاني : { لا يرجون أيام الله } على حقيقة الأيام ؛ لأنهم كانوا يرون هذه النّعم والسعة في الدنيا بجهد أنفسهم وكدّهم{[19198]} لا بما أجرى الله تعالى النعم إليهم في الأيام ، والله أعلم .
والثالث : { لا يرجون أيام الله } أي لا يحذرون نقمة الله وعقوبته .
وقوله تعالى : { ليجزي قوما بما كانوا يكسِبون } أي ليجزي كل قوم بما كسبوا من خير أو شر ؛ يجزي من عفا عنهم جزاء العفو ، ويجزي المحسن جزاء الإحسان ، والمُسيء جزاء الإساءة ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.