تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرٗا} (6)

الآية 6 وقوله تعالى : { ويُعذّب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات } ذكر للمنافقين من العذاب مقابل ما ذكر للمؤمنين من إنزال السكينة عليهم وإدخالهم الجنة .

حرم هؤلاء السكينة التي ذكر أن قلوب المؤمنين بها تسكُن لما علم أنهم يختارون عداوته ، ويُؤثرون عداوة أوليائه على ولايتهم ، وعلم من المؤمنين أنهم يؤثرون ولايته على عداوته [ وولاية أوليائه ]{[19518]} على عداوتهم ، فأنزل السكينة في قلوبهم ، ولم يُنزل على أولئك ، هذا ليُعلِم أن من بلغ في الإيمان الحد الذي ذكر إنما بلغ ذلك بالله تعالى وبفضله وبرحمته ، ولا قوة إلا بالله .

وقوله تعالى : { الظانّين بالله ظنّ السَّوْء } هم المنافقون الذين ذكرهم في آية أخرى حين{[19519]} قال : { بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزُيّن ذلك في قلوبكم وظننتم ظنّ السَّوْء } [ الفتح : 12 ] ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرجع إلى أهله ، وكذلك [ المؤمنون ]{[19520]} لا يرجعون إلى أهليهم أبدا . ثم أخبر أن ذلك الظن منهم ظن السَّوء . فيحتمل ما ذكر ههنا { الظانين بالله ظن السوء } هذا ما ذكرنا ، والله أعلم .

وجائز أن يكون قوله : { الظانين بالله ظن السَّوء } هم المشركون .

ثم إن كانوا من المنافقين فيكون ظنّهم بالله ظن السوء : ألا يرجع هو وأصحابه إلى أهليهم أبدا .

وإن كانوا من مكذّبي الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون ظنّهم بالله ظن السَّوء ألا يُكرِم محمدا صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، ولا يعظّمه بالنبوّة ؛ لا يختاره ، ولا يُؤثِره{[19521]} على غيره من الناس الذي يختارونه{[19522]} هم كقولهم : { لولا نُزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] فيكون ظنهم بالله ظن السّوء على هذا ألا يُكرِم الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ولا يختاره{[19523]} لرسالته ونبوّته ، والله أعلم .

وإن كانوا من مكذّبي البعث ومنكريه فيكون ظنهم بالله ظن السَّوء ، وهو ألا يقدر على البعث والإحياء بعد الموت .

ثم أخبر أن عليهم دائرة السّوء الذي ظنوا ألا يرجع إلى [ أهله ]{[19524]} رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار عليهم ما ظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين{[19525]} تفرّقوا عن أوطانهم ، وهُتكت أستارهم ، ونحو ذلك .

وإن كانوا من مكذّبي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يُرسله فظنّهم كان ما ظنوا لأنه بُعث هو رسولا ، ولم يُبعث من اختاروا هم .

وإن كانوا من منكري البعث فعليهم كان عذاب اليوم ، وفيه هلاكهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم جهنّم وساءت مصيرا } أخبر عز وجل أنهم استوجبوا غضب الله ولعنه بالذي كان منهم من سوء ظنهم بالله ورسوله { وأعدّ لهم جهنّم } بذلك { وساءت مصيرا } لهم .


[19518]:من م، في الأصل: وولايته.
[19519]:في الأصل وم: حيث.
[19520]:من م، ساقطة من الأصل.
[19521]:الهاء ساقطة من الأصل وم.
[19522]:الهاء ساقطة من الأصل وم.
[19523]:الهاء ساقطة من الأصل وم.
[19524]:ساقطة من الأصل وم.
[19525]:في الأصل وم: حيث.