تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَأَنتُمۡ أَشَدُّ رَهۡبَةٗ فِي صُدُورِهِم مِّنَ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ} (13)

الآية 13 وقوله تعالى : { لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله } يحتمل أن تكون رهبة هؤلاء في صدورهم على التحقيق ، ويجوز أن يكون على التمثيل .

فأما وجه التمثيل فهو ما قال : { ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هو منكم ولكنهم قوم يفرقون } [ التوبة : 56 ] فأخبر أنهم يعتذرون إليهم بالحلف ، فيجوز أن تكون معاملتهم هذه [ في ]{[20943]} التمثيل معاملة من يرهبهم . فسمى ذلك رهبة في صدورهم{[20944]} . وهذا نحو قوله تعالى : { الذي جمع مالا وعدده } { يحسب أن ماله أخلده }[ الهمزة : 2 و 3 ] يعني : جمع ماله[ جمع من { يحسب أن ماله ]{[20945]} أخلده } فكذلك الأول .

ويجوز أن يكون على التحقيق ، ولذلك أوجه{[20946]} من التأويل :

أحدها : أنهم كانوا يظهرون الموالاة لكل فريق ، وكان عندهم أن الله تعالى ولي أحد الفريقين لا محالة ، وإذا نجا أحد الفريقين نجواهم . فكأنهم على هذا التأويل كانوا يرهبون الخلق جميعا ، لا [ يخص بها ]{[20947]} المؤمنون ، وكانوا لا يرهبون الله لأنهم أمنوا ناحيته من الوجه الذي وصفنا .

[ والثاني ]{[20948]} : يجوز أن تكون رهبتهم من المؤمنين خاصة ؛ وذلك أن أهل النفاق إنما كانوا من أحد الصنفين :

إما إن كانوا دهرية ، فنافقوا ، وإما إن كانوا أهل كتاب ، فنافقوا .

فإذا كانوا دهرية فكانوا لا يرهبون الله تعالى لما كانوا غير مقرين بالصانع ، وإن كانوا أهل كتاب فإنهم قد أمنوا أيضا لما كانوا يضيفون من قولهم : { نحن أبناؤا الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] .

وإذا سقطت الرهبة من كلا الجانبين من الله تعالى حصلت الرهبة من المؤمنين خاصة ، والله أعلم .

[ والثالث ]{[20949]} يجوز أن يكون تفسير قوله : { لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله } في قوله : { ذلك بأنهم قوم لا يفقهون } وذلك يحتمل وجهين :

أحدهما : أنهم لا يفقهون أن البلايا التي في الدنيا ونعيمها تذكير ببلايا الآخرة ونعيمها ، وكانوا يرون أنها جعلت لأنفسها ؛ وإذا كان هذا وهمهم وحسبانهم لم يرهبوا من الله تعالى .

والثاني : { بأنهم قوم لا يفقهون } من الوعد والوعيد ، بل كانت رهبتهم ممن كانوا يأملون منهم المنافع ، ويحذرون مضارهم ، فلا يرهبون من الله تعالى .

ولقائل أن يقول : إنه لا أحد من أهل الإسلام إلا ورهبته من الناس أشد من رهبته من الله تعالى ؛ لأنك ترى الرجل يمتنع عن الزلة عند اطلاع الناس عليه ما لا يمتنع عن كثير من الزلات في ما بينه وبين الله تعالى . والجواب عن هذا [ في وجهين ]{[20950]} :

أحدهما : أنه ليس بإزاء الخوف من الإنسان رجاء يرجوه ، وبإزاء رهبته من الله تعالى رجاء يرجوه من رحمته وإحسانه . فيجوز أن يكون الرجاء من رهبة الله ورحمته وفضله [ لا ]{[20951]} يغلب عليه ، فيقترف الذنوب ، ويرتكبها{[20952]} .

والوجه الثاني : إذا كان في ما يرتكبه من الذنوب شرك{[20953]} فليس يهابهم ، وإنما خوفه من قوم ، فيهم سمة الصلاح وأمارة النصر لدين الله تعالى ، ليس من نفس المخلوقين ، والله أعلم .


[20943]:ساقطة من الأصل و م.
[20944]:في الأصل و م: قلوبهم.
[20945]:من م، ساقطة من الأصل.
[20946]:في الأصل و م: أوجها.
[20947]:في الأصل و م: أن يختص به.
[20948]:في الأصل و م: و.
[20949]:في الأصل و م: و
[20950]:في الأصل و م: و جهان.
[20951]:ساقطة من الأصل و م.
[20952]:في الأصل و م: ويرتكبه.
[20953]:في الأصل و م: شركا.