تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتۡ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلۡحَوَايَآ أَوۡ مَا ٱخۡتَلَطَ بِعَظۡمٖۚ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِبَغۡيِهِمۡۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (146)

الآية 146 وقوله تعالى : { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } قيل : مثل النعامة والبعير . وقيل : { كل ذي ظفر } مثل الديك والبطة والبعير وكل متفرج الأصابع والقوائم . وقيل : حرمنا كل ذي حافر من نحو حمار الوحش والوز وغيره . وقيل : { حرمنا كل ذي ظفر } كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من السباع ، ومن الدواب كل ذي ظفر . منشق مثل الأرنب والبعير وأشباههما ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه . والأشبه أن يكون ما ذكر في آية أخرى : { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا } [ النساء : 160 ] .

وقوله تعالى : { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما } قيل : شحوم بطونهما من{[7881]} الثروب وشحم الكليتين { أو الحوايا } وهي المباعر والمصارين أي الشحم الذي عليها { أو ما اختلط بعظم } قيل الإلية .

وقيل : قوله تعالى : { إلا ما حملت ظهورهما } هو اسم{[7882]} اللحم ، وقيل{[7883]} فيه أقاويل مختلفة في هذا وفي الأول في قوله تعالى : { حرمنا كل ذي ظفر } لكن ليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ؛ لأن تلك شريعة ، قد نسخت ، والعمل بالمنسوخ حرام . فإذا لم يكن علينا العمل بذلك ليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ؛ كان ذا ، أو ذا{[7884]} ، وإنما علينا أن نعرف لم كان ذلك التحريم ؟ وبم كان تحريم هذه الأشياء عليهم ؟

فهو ، والله أعلم ، ما ذكر في قوله تعالى : { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا } [ النساء : 160 ] .

أخبر أن ما حرم{[7885]} عليهم من الطيبات [ بسببين :

أحدهما : ]{[7886]} بظلمهم للذين ظلموا ؛ ولذلك قال الله تعالى : { ذلك جزيناهم ببغيهم } أخبر أن ذلك جزاء بغيهم الذي{[7887]} بغوا .

والثاني : أنهم كانوا يدعون ، ويقولون : { نحن أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] ؛ [ يقول : لو كنتم صادقين في زعمكم أنكم { أبناء الله وأحباؤه } ]{[7888]} لكان لا أحد يعاقب ولده أو حبيبه بأدنى ظلم ، ولا يحرم عليه الطيبات . [ فإذا كان الله حرم عليكم الطيبات ]{[7889]} ، وجزاكم{[7890]} بتحريم أشياء عقوبة لكم بظلمهم وبغيكم ظهر أنكم كذبتم في دعاويكم ، وافتريتم بذلك على الله .

وفيه دليل إثبات رسالة محمد ونبوته صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا يحرمون هذه الأشياء في ما بينهم ، ولا يقولون : إنهم ظلمة ، وإن ما حرم عليهم بظلم كان منهم وبغي .

ثم أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ما حرم عليهم من الطيبات إنما حرم بظلمهم وبغيهم دل أنه إنما أخبر بذلك عن الله ، وبه عرف ذلك ، فدل أنه آية من آيات نبوته صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ذلك جزيناهم ببغيهم } أي ذلك التحريم عقوبة لبغيهم وظلمهم { وإنا لصادقون } بالإنباء أن ذلك كان بظلمهم وبغيهم { وإنا لصادقون } في كل ما أخبرنا ، وأنبأنا .


[7881]:- في الأصل وم: ومن.
[7882]:- في م: سمن.
[7883]:- الواو ساقطة من الأصل وم.
[7884]:- من م، في الأصل: أوفا.
[7885]:- من م، في الأصل: أخبر.
[7886]:- ساقطة من الأصل وم.
[7887]:- في الأصل وم: الذين
[7888]:- من م، ساقطة من الأصل.
[7889]:- من م، ساقطة من الأصل.
[7890]:- في الأصل وم: وجزاهم.