تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ رَسُولٗا شَٰهِدًا عَلَيۡكُمۡ كَمَآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ رَسُولٗا} (15)

الآية 15 : وقوله تعالى : { إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا } قوله : { شاهدا عليكم } قال أبو بكر الأصم : تأويله : مبينا لكم{[22482]} ما لله عليكم من الحق .

وجائز أن يكون{ شاهدا عليكم } أي لكم وعليكم جميعا ؛ فيكون على الكفرة شاهدا بقوله : { وجئنا بك شهيدا على هؤلاء } [ النحل : 89 ] ويكون للمؤمنين شاهدا ، وقد يذكر{ عليكم } ويراد به لكم كقوله تعالى : { وما ذبح على النصب }[ المائدة : 3 ] أي للنصب لأنهم كانوا يذبحون لها لا عليها ، وخصّ ذكر موسى عليه السلام وفرعون من بين الجملة .

ففائدة ذكر التخصيص ، هو ، والله أعلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان منشؤه بين ظهراني الذين كذّبوه ، ولم يكونوا{[22483]} وقفوا منه على كذبة قط ، بل كانوا عرفوه بالصيانة والعدالة ، وكان بمحل يرونه أهلا للشهادة ، فكيف ينسبونه إلى الكذب ، ولم يعهدوا ذلك منه ؟ وكذلك موسى عليه السلام كان نشأ بين ظهراني أولئك الذين أرسل إليهم وكانوا عرفوه بالصيانة والعدالة ، وعرفوا أنه يصلح للشهادة .

ومنهم من يقول بأنهم أزروا برسول الله صلى الله عليه وسلم واستصغروه اعتبارا بما شهدوا من حاله عند الصغر ، إذ كان منشؤه فيهم ، فكذلك أزروا بموسى عليه السلام حين{[22484]} بعث إليهم ، واستخفوا به استخفافهم به في حالة الصغر حتى قالوا : { ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين } [ الشعراء : 18 ] فنزل بهم ما نزل بأولئك من الاستئصال بتكذيبهم إياه وإزرائهم به ، فذكّرهم حال مكذبي موسى عليه السلام وما نزل بهم من مقت الله تعالى بتكذيبهم وإزرائهم ليعتبروا به ، فينقلعوا عن الإزراء لئلا يحل بهم ما حلّ بأولئك ولئلا يغتروا بقواهم وكثرة عددهم وأموالهم ؛ فإن مكذبي موسى عليه السلام كانوا أكثر أموالا وأولادا وأعدادا وأشد بطشا فلم يغنهم ذلك من الله شيئا .

وجائز أن يكون حصر ذكر موسى عليه السلام وفرعون ، ونبأهما ، لأن خبره منتشرا في ما بين أهل مكة ، لأنهم كانوا خبرة اليهود والذين عندهم نبأ موسى عليه السلام لينتهوا عمّا هم عليه من التكذيب ، ولأن الله تعالى إذ يحتج بالحجج ؛ وله أن يحتج عليهم بحلها ، إذ في ذلك قطع الشبه وإزاحة العذر ، أو ذكّرهم نبأ موسى عليه السلام وقومه لأن العهد به كان أقرب ؛ إذ قومه كانوا آخر قوم استؤصلوا في الدنيا .


[22482]:في الأصل و م: عليكم.
[22483]:في الأصل و م: يكن.
[22484]:في الأصل و م: حيث.