الآية 31 : وقوله تعالى : { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } فلقائل أن يقول في هذا أمرا{[22645]} : لم يجعل أصحاب النار إلا ملائكة ، لم يوجد فيها إنسي ولا جني ، فكيف قال : { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين }بهود : 119 والسجدة : 13 ] وهو لم يجعل أصحاب النار إلا ملائكة أي : { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } يعذبون أهلها ؟ لا أن يكون الملائكة تمسهم النار ، ويتأذون بها ؟ .
وفي هذا دلالة على أن من قرأ مكان قوله تعالى : { وأولئك أصحاب الجنة }[ البقرة : 82و . . ] أصحاب النار في صلاته لا تفسد لأنه ليس في نسبة أصحاب الجنة وأصحاب النار إيجاب عذاب عليهم كما لم يكن في قوله : { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } إيجاب عذاب على الملائكة واستحقاقهم ، والله أعلم .
وإنما خصهم لذلك ، والله أعلم ، لأنهم خلقوا يسخطون ، ويغضبون لله تعالى ، ولا يغضبون الله تعالى ما أمرهم : { ويفعلون ما يؤمرون }[ النحل : 50 والتحريم : 6 ] لم يميلوا إلى أحد ، ولم يرحموا بما رأوا عليه من العذاب في معصية الله وخلافه . وليسوا على طباع الإنس والجن أن قلوبهم ، ربما تميل ، وترحم من لا يستحق الرحمة .
وذكر أهل التأويل أن قوله : { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } رد على أولئك الكفرة الذين قالوا : إنا لنكف{[22646]} هؤلاء العدة حين سمعوا{ عليها تسعة عشر } فنغلب عليهم ، ونخرج من النار ، فأخبر أنهم ليسوا برجال أمثالكم ، وإنما هم ملائكة ، ووصف الملائكة . وقد روي في الأخبار : من هول خلقتهم وعظمهم وشدة بأسهم وبطشهم أن{[22647]} لهب النيران يخرج من أفواههم وأن بنيتهم لا تحتمل الحرق والآلام ، ليست{[22648]} على ما عليها{[22649]} بنية البشر ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا } الفتنة قد يتكلم بها على وجهين :
فتذكر الفتنة ، ويراد بها المحنة التي فيها الشدة ، وتذكر ، ويراد بها العذاب .
فإن كان يراد بها العذاب ، فمعناها{[22650]} أنه جعل العدد الذين ذكرهم للكفرة ، وهو كقوله : { يوم هم على النار يفتنون }[ الذاريات : 13 ] أي يعذبون .
وإن كان يراد بها المحنة فتخرج على وجوه :
أحدها : أي ما جعلنا ذكر عددهم إلا لافتنان الذين كفروا ، أي[ من علم الله تعالى منهم أنه يكفر بآيات ]{[22651]} الله تعالى جعل ذلك سببا لفتنته ، إذ{[22652]} كان في علم الله تعالى أنه ممن يبتغي الفتنة .
فأما من علم أنه ينظر في آيات الله مسترشدا فلم يزده ذلك إلا إيمانا وتصديقا ، إذ علموا أن الله تعالى[ أراد ]{[22653]} أن يمتحنهم بأنواع المحن ، فآمنوا به ، وسلموا ذلك لله تعالى .
فيكون في جعل[ عدة الملائكة ]{[22654]} : { تسعة عشر } شدة على الكفرة إذ كان السبب كفرهم ، فكذلك سمّى المحنة على هذا الوجه فتنة .
وقوله تعالى : { فتنة للذين كفروا } بمعنى على الذين كفروا .
ثم جاز أن يكون ذلك[ على ]{[22655]} حدوث الكفر ، وهو في قوم ، قد آمنوا به . فلما سمعوا هذا[ زعموا ]{[22656]} أن لا حكمة في هذا العدد[ وليس هذا العدد ]{[22657]} بأولى أن يجعلوا أصحاب النار من{[22658]} العشرين ومن الثمانية عشر ، فكفروا به . وهو كقوله تعالى لموسى عليه السلام : { إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء }[ الأعراف : 155 ] وذلك على حدوث/ 612 – ب/ إضلال ، لم يكن من السامري موجودا[ وما كان ]{[22659]} الإضلال متقدما بغيرها .
وجائز أن تكون فتنتهم ، هي{[22660]} أنهم ازدادوا بذكر هذا العدد كفرا إلى كفرهم لأنهم نظروا إليه بعين الاستخفاف والاستهزاء ، ولم ينظروا إليه بعين التبجيل والتعظيم ، فازدادوا بذلك كفرا .
[ وقوله تعالى ]{[22661]} : { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا } والاستيقان والزيادة واحد ، لأن في الاستيقان زيادة إيمان ، وفي الزيادة[ استيقانا .
فمعنى ]{[22662]}{ ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } الذين آمنوا . ووجه استيقانهم أنهم يجدون هذا العدد موافقا للعدد الذي في كتابهم . ويحملهم ذلك على الاستيقان أنه من عند الله تعالى .
ويحتمل أن يريد به أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا إذا وجدوا ذلك موافقا لما في كتبهم ، فيستيقنوا أنه إنما يخبر عن الله عز وجل وليرفع عنهم الارتياب ، ليكون أدعى لهم إلى الإيمان به ، إن أراد منهم الإيمان ، وأقرب إلى إلزام الحجة عليهم ، إن لم[ ير منهم الاستيقان ]{[22663]} والله أعلم .
وقوله تعالى : { ويزداد الذين آمنوا إيمانا } وتصديقا على ما سبق منهم من التصديق بالجملة .
وكذلك روي عن أبي حنيفة ، رحمه الله ، في قوله : { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا }[ التوبة : 124 ] وفي كل موضع ذكر فيه الزيادة في الإيمان أن معنى الزيادة فيه أنهم ازدادوا بالتفسير تصديقا على تصديقهم بالجملة ، لأنهم إذا وحدوا الله تعالى ، وآمنوا به ، فقد أقروا بأن له الخلق والأمر كله . وفي الإقرار بأن له الخلق إيمان بالرسل وتصديق منهم{[22664]} إياهم بجميع ما أنزل عليهم من الكتب من الله تعالى .
فصار[ المرء ]{[22665]} بإيمانه معتقدا للتصديق بكل رسول على الإشارة إليه . فإذا آمن بالرسول والكتاب المنزل عليه فقد أتى بزيادة تصديق على ما وجد منه من التصديق بالجملة .
وجائز أن تكون الزيادة منصرفة إلى الثبات والاستقامة لأن الإيمان له حكم التجدد[ إذ المؤمن ]{[22666]} في كل وقت مأمور{[22667]} باجتناب الكفر ؛ وإذا اجتنب الكفر فقد أتى بضده ، وهو الإيمان[ فثبت أن الإيمان ]{[22668]} له حكم التجدد في كل وقت .
وإذا كان كذلك استقام صرف الزيادة إلى الثبات والقرار عليه . فإن شئت فسمّ الدوام على الإيمان زيادة ، وإن شئت فسمّه استقرارا{[22669]} ، وإن شئت فسمّه ثباتا . وفي الكتاب ما يطلق جواز هذا كله .
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله }[ النساء : 136 ] فندبهم إلى الإيمان بعد ما آمنوا ، وما ذلك إلا الثبات على ما هم عليه ، وقال : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا }[ إبراهيم 27 ] وهو الاستقرار{[22670]} ، وقال في آية أخرى : { ليثبت الذين آمنوا }[ النحل : 102 ] فجعل دوامهم على الإيمان واستقرارهم{[22671]} عليه إيمانا .
[ وقال تعالى : { فزادتهم إيمانا }[ التوبة : 124 ] وقال : { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم }[ الفتح : 4 ] فأطلق ]{[22672]} اسم الزيادة واسم الثبات واسم الإيمان .
وإن كانت الزيادة منصرفة إلى الأعمال فهي{[22673]} عندنا على الزيادة من جهة الفضيلة والكمال لا على{[22674]} الزيادة [ من جهة العدد ]{[22675]} عينه لأن الشيء إذا استحق الزيادة بغيره فاستحقاقه يقع من جهة الفضيلة والكمال .
ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في ما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ) ؟ [ النسائي5/214 ] .
ومعلوم أنه لم يرد به التفاضل من جهة العدد إذ هو يأتي بأعين الأفعال التي يلزمه إتيانها في غير ذلك . فكانت الزيادة منصرفة[ إلى ]{[22676]} الكمال والفضل[ لا ]{[22677]} إلى الزيادة من جهة العدد .
وكذلك قال[ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ]{[22678]} ( صلاة في جماعة تفضل على صلاة المرء وحده بخمس وعشرين درجة )[ النسائي 2/104 ] ولم يرد به الزيادة من جهة العدد ، وإنما أراد به الزيادة من جهة الفضل والكمال .
وكذلك الزيادة التي تقع للإيمان من الأعمال الصالحة إنما هي من جهة الفضيلة والشرف ؛ إذ الأعمال ليست من جنس الإيمان ؛ إذ الإيمان هو التصديق ، وذلك غير موجود في الأفعال . ثبت أن زيادته من الوجه الذي ذكر دون غيره .
وقوله تعالى : { ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا } في هذا الفصل كلام بيننا وبين المعتزلة ؛ فهم يزعمون أن تلك العدة ، وهي عدة الملائكة ، جعلت محنة لأهل الإسلام وأهل الكتاب وأهل الكفر وللذين في قلوبهم مرض ليؤمنوا بها ، ويستسلموا لها لا ليكفر بها من كفر ، ويقول : ماذا أراد الله بهذا مثلا ؟ .
ولكن لما وجد منهم ذلك القول نسب الجعل إليه لا أن خلقوا لذلك الوجه . وهو كقوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا }[ القصص : 8 ] نسب إليهم الالتقاط ، وإن كان الالتقاط لغير ذلك الوجه .
وكذلك قال : { ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما }[ آل عمران : 178 ] ومعلوم أن الإملاء لم يكن لازدياد الإثم ، ولكنهم لما ازدادوا إثما نسب الإملاء إليه ، وإن لم يكن الإملاء لذلك الوجه . وكذلك يقال في الكلام السائر :
لدوا للموت وابنوا للخراب [ فكلّكم يصير إلى ذهاب ]{[22679]}
ولا [ أحد ]{[22680]} يبني البناء للخراب ، ولكن مصيره لمّا كان إلى الخراب نسب البناء إليه ، وإن لم يكن البناء لذلك الوجه . ويقال : سرق السارق لتقطع يده . ومعلوم بأنه ليس يسرق للقطع ، ولكن بسرقته [ لزمه القطع ولأجلها قطعت يده ، ونُسب ]{[22681]} الفعل إليه ، وإن كانت السرقة لغير ذلك [ الوجه . فكذلك ]{[22682]} العدة التي ذكرت في الآية جعلت فيه بجهة واحدة ، وهي التي ذكرنا هنالك لما وجد من الكفرة ما ذكرنا نسب الخلق إلى ذلك الوجه لا أن كان الجعل لذلك .
ولكنا نقول : لو كان الأمر على ما زعموا أدى ذلك إلى إسقاط الربوبية ؛ إذ في الحكمة : من عمل عملا يريد به غير الذي يكون أوجب ذلك جهلا بالعواقب ، أو جعل عابثا في فعله . ومن هذا وصفه لم يصلح أن يكون إلها ، بل يكون جاهلا سفيها .
ألا ترى أن من بنى شيئا ، يعلم أنه لا يكون ، كان ذلك منه عبثا ، وإذا كان غير الذي يريده ، كان جاهلا به ؟ .
فإما ثبت هذا فنقول : لو أراد الله من الكافرين غير الذي كان منه لكان فعله خارجا مخرج الخطإ والعبث ، فثبت أن الله عز وجل شاء لكل فريق ما علم أن يكون منهم .
فإذا علم من عنده أنه يؤثر الضلال على الهدى فقد شاء له الضلال ، وإذا علم أنه يؤثر فعل الخير شاء له ذلك ، ووفقه ، وهداه إليه .
والجواب عن قوله عز وجل : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } [ القصص : 8 ] فمعناه : ليكون لهم في علم الله عدوا وحزنا ، لا أن كان الالتقاط منه لذلك الوجه . بل لو علموا أنه يصير لهم عدوا وحزنا لم يلتقطوه ، ولكنهم جهلوا ما تنتهي إليه العاقبة ، فالتقطوه رجاء أن ينتفعوا به .
ولا يجوز أن يخفى على الله عواقب الأشياء ، فيكون فعله في الابتداء لغير ذلك الوجه .
وقولهم : لدوا للموت وابنوا للخراب ؛ فهذا يتكلم به في موضع التذكير والدعاء لئلا يخرص المرء في بناء الأبنية ، بل يزهد عنه . ويجوز أن يخفى على الله تعالى أمرا ، فيخرج الأمر فيه مخرج التذكير ، فثبت أنه على التحقيق ، والله أعلم .
ثم قوله عز وجل : { وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا } والمثل يذكر بمعنى البيان كقول القائل : أمثل لك صورة/ 613 – أ/ كذا ؛ يريد : أبين لك .
وقوله تعالى : { كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء } فهذا كله تفسير قوله تعالى : { وما جعلنا عدتهم إلا فتنة } الآية ، أي يضل به من كان في علمه أنه يختار الضلال ، واختياره الضلال ، هو أن ينظر في آيات الله تعالى بعين الاستهزاء والاستخفاف . ومن كان نظره في آيات الله ما ذكرنا أضله الله تعالى ، وزاده غواية ، ومن نظر في آيات الله بعين الاستهداء والاسترشاد ، واستقبلها بالتبجيل والتعظيم لها ، وفّقه الله تعالى ، ومنّ عليه بالهداية ، وهو كقوله : { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى }[ فصلت : 44 ] وغير ذلك ، والله الموفق .
وقالت المعتزلة : قوله تعالى : { يضل الله من يشاء } أي يسميه ضالا ، أو يحكم عليه بالضلال إذا ضل ، لا أن يكون الله تعالى يضله ، ويشاء ضلالته .
فيقال لهم : إذا كان الله يريد أن يؤمن به ، وتلك إرادته في كل أحد عندكم ، فتسميته إياه ضالا وحكمه بالضلال ، وهو يريد أن يهتدي ، جور منه ، وفيه تحقيق كذبه . جلّ الله تعالى عن أن يلحقه وصف الجور في فعله ، أو ينسب إلى الكذب .
وقال أبو بكر الأصم : تأويله : أن الله ينصب طريقا ، من سلكه أفضى به إلى الهداية ، ومن زاغ عنه صار إلى الضلال ، ولا يتهيأ لأحد من الخلائق أن ينصب مثله .
فنقول : لو كان التأويل على ما زعم لكان حقه أن يقال : كذلك يضل الله ما يشاء ، ويهدي ما يشاء . فلما قال : { من يشاء } و : من يعبر به عن الأشخاص العقلاء[ وما : عن الفرقة ]{[22683]} التي لا تعقل . ثبت أن الذي قاله ليس بشيء ويعتمد عليه .
ثم الأصل أن قوله : { يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء } من صفات الربوبية ، وفيه امتداح الرب بالفعل لما يريد . فلو لم يكن مريدا منهم لما قد كان ، ولم يرد كون ما علم أنه يكون سقط الامتداح ، وخرج عن أن يكون من صفات الربوبية ، فثبت أن الله تعالى شاء لكل فريق ما علم أن يكون منهم .
وقوله تعالى : { وما يعلم جنود ربك إلا هو } فالجنود ، هو اسم للجماعة التي ينتقم بها ، وينتصر بها . وجائز أن يكون قوله تعالى : { وما يعلم جنود ربك } منصرفا إلى الملائكة الذين ، هم أصحاب النار ، ليس ما جعله من خزنة النار عددا قليلا لقلة جنوده .
[ وقوله تعالى ]{[22684]} : { وما يعلم جنود ربك } أي[ ما يعلم ]{[22685]} مقادير قوامهم وأحوالهم إلا الله ؛ فمعناه لا يعلم قوة هؤلاء الجنود وبطشهم وهيبتهم إلا هو .
ثم يجوز أن يكونوا{[22686]} سلطوا على تعذيب أهل النار على جهة الامتحان للملائكة كما امتحن بعضهم بإيصال التحف والكرامات إلى أهل الجنة كما امتحن بعضهم في الدنيا بقبض الأرواح واستنزال الأمطار وغير ذلك .
وجائز أن يكون تسليطهم على أهل النار على جهة الثواب والجزاء لهم ، لأنهم يتلذذون بما يعذبون أهل النار ، وينتقمون من أعداء الله تعالى ، لأن المرء في الشاهد إذا وصل إلى الانتقام من عدوه تلذذ به ، وتنعم .
ويحتمل أن يكون قوله عز وجل : { وما يعلم جنود ربك } أي وما يعلم كثرة جنود ربك إلا هو .
ويحتمل [ أن يكون قوله تعالى ]{[22687]} { وما يعلم } السبب الذي يجعل به الجنود يصلحون للانتقام{ إلا هو } إذ هو القادر على أن يجعل أضعف شيء من خلقه جندا ينتقم به من أعدائه كما في قصة البعوض في زمن نمرود وغير ذلك : من إرسال الطير إلى أصحاب الفيل وإمطار الحجارة على قوم لوط ونحو ذلك .
ويحتمل أن يكون قوله عز وجل : { وما يعلم جنود ربك } أي لا يعلم ما الذي يتخذ الله تعالى جندا للانتقام من الأعداء إلا هو .
ألا ترى أن الله عز وجل انتقم من بعض الأعداء بالغرق ، وهم قوم فرعون وقم نوح{[22688]} ، وأهلك بعضا منهم بالرياح ، واتخذها جندا{[22689]} عليهم ، وأهلك بعضا منهم بالخسف ؟ فيكون في هذا إيجاب المراقبة من حلول النقمة والسخطة .
وقوله تعالى : { وما هي إلا ذكرى للبشر } جائز أن يكون منصرفا إلى السقر أنها ذكرى للبشر أي موعظة وتذكير لهم ما إليه مرجع أمورهم .