تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّهُۥ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} (18)

الآية 18 : وقوله تعالى : { إنه فكّر وقدّر } قال الفقيه ، رحمه الله ، إن فراعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتقدوا معاندة الحق ، واعتقدوا صدّ الناس عن سبيل الله بأن يطفئوا نوره ، فأرادوا أن يجمعوا على أمر ، ينسبونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه ينفون عن أنفسهم سمة الجهل وتهمة الكذب في ذلك على ما ذكروا أن الوليد جمع أصحابه ، فقال : إن هذه{[22613]} أيام الموسم ، وإن الناس سائلوكم عن هذا الرجل ، فماذا تقولون ؟ .

فقال بعضهم : نقول : هو شاعر ، فقال : إنهم قد سمعوا الشعر ، وما قوله بقول شعر .

وقال بعضهم : نقول : هو كاهن ، فقال : إن الكهانة معروفة عند العرب ، وإذا سمعوا قوله عرفوا أنه ليس بكاهن ، فيكذبونكم .

وقال بعضهم : نقول : هو كذاب ، فقال : إنا قد اختبرناه فما أخذنا عليه كذبة قطّ .

فقال بعضهم : نقول : هو مجنون ، فقال : إذا نظروا إليه علموا أنه ليس بمجنون ، فأعياهم{[22614]}ففكر في نفسه ، وقدّر{ فقال إن هذا إلا سحر يؤثر }[ المدثر : 24 ] ما هذا الذي أتى به إلا سحر آثره عن غيره ، أي يرويه ، فاتفقت كلمتهم على تسميته ساحرا ، وقالوا : الساحر يفرق بين اثنين ، وقد وجد منه التفريق بين الآباء والأولاد وبين ذوي الأرحام[ رجاء أن ]{[22615]}يصلوا إلى مرادهم من صد الناس عن سبيل الله تعالى وإطفاء نوره مكرا منهم ، وهو كقوله تعالى : { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها/ 611 – ب/ وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون }[ الأنعام : 123 ] ووجه رجوع المكر إلى أنفسهم ذكروا فيه أوجها :

أحدها : رجوع المكر إلى أنفسهم : أن الله تعالى أظهر سوء صنيعهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعله آية تتلى إلى يوم القيامة ، فيكون فيه ظهور كذبهم وإلحاق العار بهم إلى يوم التنادي وتواتر{[22616]} اللعن .

والثاني : أن الكبراء إذا اجتمعوا في مكان للتدبير اتصل بهم أوساطهم ، واختلط بهم صغارهم ، فيقع بجملتهم العلم الذي عليه التدبير ، واتفقت عليه الكلمة .

[ الثالث ]{[22617]} : إذا وقفوا على علم ذلك في الآفاق يقف{[22618]} الناس على كذبهم وافتعالهم ، فيتحقق عند ذلك جهلهم بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصير كذبهم شائعا في الخلق من الوجه الذي أرادوا نفي سمة الجهل عن أنفسهم ، ويتحقق عند الناس كذبهم ، فلا يركنون إلى قولهم ، ولا يلتفتون إلى أخبارهم عن حاله ، إذ قد تبين جهلهم بحاله ، فيكون ذلك سببا لترغيب الناس إلى الإسلام ودعائهم إليه ، ولا{[22619]} يكون سببا للصد عن سبيل الله ، فصار المكر راجعا إليهم .

ثم قوله تعالى : { إنه فكّر } أي فكر في الأمر الذي أراد إحكامه ، أو فكر في الكلمات التي ألقوها في ما بينهم : أيها أليق برسول الله صلى الله عليه وسلم فينسبها{[22620]} إليه .

وقوله تعالى : { وقدر } يخرج على هذا أيضا .


[22613]:في الأصل و م: هذا.
[22614]:في الأصل و م: فأعيى عليهم.
[22615]:من م، ساقطة من الأصل.
[22616]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل و م: وتوارد.
[22617]:في الأصل و م: و.
[22618]:في الأصل و م: فيقف.
[22619]:في الأصل و م: أن.
[22620]:في الأصل و م: فينسب.