تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

الآية 6 : وقوله تعالى : { يا أيها الإنسان إنك كادح } الكادح ، هو الساعي ، وهو الذي اعتاد ذلك ، وهذا في كل إنسان ، تراه أبدا ساعيا إما في عمل الخير [ وإما في ]{[23352]} عمل الشر وإما{[23353]} في ما يضره حتى إذا{[23354]} هم بترك السعي لم يقدر لأن تركه السعي نوع من السعي .

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حين تلا هذه الآية قال : ( ( أنا ذلك الإنسان ) ) فهذا ليس أنه هو المخصوص بالخطاب لأنه بين الإنسان فقال : { فمن أوتي كتابه بيمينه } [ الإسراء : 81 و . . . ] { وأما من أوتي كتابه بشماله } [ الحاقة : 25 ] { وأما من أوتي كتابه وراء ظهره } [ الانشقاق : 10 ] ]{[23355]} ولا يجوز أن يكون هو المراد بهذا كله ؛ فكل أحد على الإشارة مراد بقوله تعالى : { يا أيها الإنسان } فلذلك قال النبي عليه السلام : ( ( أنا ذلك الإنسان ) ) .

وقوله تعالى : { إلى ربك كدحا } فجائز أن يكون معناه : أن اجعل كدحك إلى ربك في أن تسعى إلى طاعته وطلب مرضاته { فملاقيه } فإنك ملاقيه ، لا محالة ؛ أي تلاقي جزاء عملك إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .

وجائز أن تكون الملاقاة كناية عن البعث ؛ إذ البعث قد يكنّى عنه بلقاء الرب . قال تعالى : { فمن كان يرجوا لقاء ربه } [ الكهف : 110 ] وسمي ذلك اليوم يوم المصير إلى الله تعالى ويوم البروز بقوله تعالى : [ { وإليك المصير } [ البقرة : 285 ] وقوله تعالى ]{[23356]} : { وبرزوا لله جميعا } [ إبراهيم : 21 ] ووجه التسمية بهذه الأسامي ما ذكرنا أن المقصود من خلق العالم العاقبة ، فسمي بروزا لما للبروز أنشئ ، وسمي مصيرا إلى الله تعالى لمصيرهم إلى ماله خلقوا ، وإن كان الخلق كلهم بارزين له قبل ذلك ، ولم يكونوا عنه غائبين ، فيصيروا إليه خصوصا لذلك اليوم .


[23352]:في الأصل وم: أو.
[23353]:في الأصل وم: أو
[23354]:في الأصل وم: لو.
[23355]:ساقطة من الأصل وم.
[23356]:ساقطة من الأصل وم.