تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٖ} (19)

الآية 19 : وقوله تعالى : { لتركبن طبقا عن طبق } قرئ بنصب{[23379]} الباء ورفعها ، وكلا القراءتين في المعنى واحد ؛ إن كان في الظاهر ، إحداهما للجمع ، والأخرى للوحدان ، وإحدى القراءتين بحرف الجمع فيذكر بالرفع ؛ فإن قوله : { لتركبن } منصرف إلى كل إنسان في نفسه خاصة لا على الاقتصار على شخص واحد لما ليس في قوله عز وجل : { يا أيها الإنسان إنك كادح } [ الآية 6 ] إشارة إلى شخص بعينه ، ولكن المراد منه الجملة ، فثبت أن الخطاب منصرف إلى الجملة .

ثم قوله تعالى : { لتركبن طبقا عن طبق } قيل : حالا بعد حال . ثم جائز أن يصرف إلى دار الآخرة ، فكأنه قال : لتركبن حال الآخرة بعد حال الدنيا ، فيكون فيه تصريح القول على إيجاب البعث .

ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا ؛ فينتقل إلى حال المضغة بعد كونه [ نطفة وإلى ]{[23380]} حال العلقة وإلى حال الطفولة إلى أن يبلغ أشده ، فلا يزال يركب حالة بعد حالة ، فيكون في نقله من حال إلى حال إبانة أنه لم يرد من إنشائه أن تتغير عليه الأحوال فقط ، بل أريدت العاقبة التي بها صار إنشاء الخلق حكمة لا عبثا ، فيكون قوله : { لتركبن } منصرفا إلى كل إنسان في نفسه خاصة لا على الاقتصار على شخص واحد لما ذكرنا .

ومنهم من قال : إنما أراد بهذا الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عن ابن عباس رضي الله عنه وعن ابن مسعود رضي الله عنه .

ولكن قال ابن مسعود رضي الله عنه : لتركبن يا محمد ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : لتركبن السماء حالا بعد حال .

فإن كان التأويل على ما ذكره ابن مسعود رضي الله عنه ففيه بشارة بإسلام قومه وإجابتهم له ، فيقول : إنهم سيطلعونك ، ويصيرون لك أنصارا بعد صدهم الناس عن الإيمان وجفوتهم إياك .

ومن قال : لتركبن سماء بعد سماء فيقول : ذلك ليلة أسري به .

والتأويل الأول أقرب لأن موقع/634 – أ/ القسم في قوله تعالى : لتركبن ، والإسراء لم يكن يعرفه قومه حتى يكون في ذكره دفع الاشتباه عن أولئك القوم .

فأما ظهور الإسلام وعلو النبي على أعدائه فمما يشاهده الناس ، فيتحقق في الآخرة ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الغيب ، فيكون تأكيدا لرسالته . فلذلك قلنا : إن الحمل على المعنى الأول أحق ، والله أعلم .


[23379]:انظر معجم القراءات القرآنية ج8/103.
[23380]:في الأصل وم: مضفة إلى.