تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدۡ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلۡكُفۡرِ وَكَفَرُواْ بَعۡدَ إِسۡلَٰمِهِمۡ وَهَمُّواْ بِمَا لَمۡ يَنَالُواْۚ وَمَا نَقَمُوٓاْ إِلَّآ أَنۡ أَغۡنَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ مِن فَضۡلِهِۦۚ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيۡرٗا لَّهُمۡۖ وَإِن يَتَوَلَّوۡاْ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِيمٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَا لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (74)

وقوله تعالى : ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ) قال بعض أهل التأويل : الآية نزلت في شأن رجل منافق قال[ من م ، في الأصل : قالوا ] يوما[ من هنا يبدأ النقص من م وسينتهي ص435 ، انظر الحاشية الرابعة فيها ] والله لئن كان ما يقول محمد حقا فلنحن شر من الحمير فسمع[ في الأصل فسمعه ] ذلك غلام وهو ربيب ذلك القائد فقال له تب إلى الله ، وجاء هذا الغلام إلى النبي فأخبره ، فأرسل إليه النبي فآتاه فجعل يحلف ما قال ذلك . فنزلت الآية فيه : ( يحلفون بالله ما قالوا ) .

لكن غير هذا لكأنه أشبه لأن الآية : ( وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ) وقوله الرجل لئن كان ما يقول محمد حقا فلنحن شر من الحمير ، هذا القول ليس هو كلام ذم به نفسه . وبعد فإن الآية ( يحلفون بالله ) هو[ في الأصل : فهو ] قول جماعة .

وقيل : [ نزلت الآية ][ في الأصل نزل ] في شأن عبد الله بن أبي قال لأصحابه : والله ما مثلنا [ ومثل ][ ساقطة من الأصل ] محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك ، وقال : ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ][ المنافقون : 8 ] فأخبر النبي بذلك ، فدعاه فسأله ، فجعل يحلف بالله ما قاله .

لكن يشبه أن تكون الآية : ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب )الآية [ التوبة : 65 ] كانوا يستهزئون بالله وبآياته وبرسوله والاستهزاء بذلك كفر . وإن قالوا قول كفر لم يبين لنا ذلك فلا نفسره أنهم قالوا كذا لما ليس لنا إلى معرفة ذلك القول الذي قالوه حاجة .

وقوله تعالى : ( وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) يحتمل كفروا بعدما أسلموا إسلام حقيقة . ويحتمل قوله [ ( بعد إسلامهم ) ][ ساقطة من الأصل ] ما أظهروا الإسلام ؛ أي رجعوا عما أظهروا من الإسلام وفي الآية دلالة أن الإسلام والإيمان واحد [ لأنه ][ ساقطة من الأصل ] قال : ( وكفروا بعد إسلامهم ) وقال /218-ب/ في آية أخرى ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) ثم قال : ( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم ) ( ثم ازدادوا كفرا )[ آل عمران : 85/90 ] فدل أن الإسلام والإيمان واحد .

وقوله تعالى : ( وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ) قيل هموا بقتل رسول الله والمكر به ، فلم ينالوا ما هموا به . وفي دلالة إثبات الرسالة له ، لأنهم أسروا ما هموا به ثم أخبر عن ذلك وهو غير دل أنه بالله علم ذلك .

وقوله تعالى : ( وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) قال بعض أهل التأويل : إن الرجل الذي قال ذلك تاب عن ذلك فقبل منه ذلك ، وكان له قتل في الإسلام ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعطاه ديته ، فاستغنى بذلك .

وقال ابن عباس : رضي الله عنهما ( وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي المنافقين من الغنائم والصدقات يقول : ( وما نقموا إلا ) ما أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنيمة والصدقة .

وقوله تعالى : ( نقموا ) قالوا بعض أهل الأدب أبو معاذ وغيره : نقموا أي طعنوا ، فيه لغتان ؛ نقِموا بالخفض ، ونقَموا بالنصب ؛ يقال : نَقِم ينْقَمُ بكسر القاف فهو ، والله أعلم ، يقول : ما طعنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذكروه بسوء ( إلا أن أغناهم الله ) لأنه لو كانوا أهل فقر وحاجة ما[ في الأصل : وما ] اجترؤوا على الطعن على رسول الله وما ذكروه بسوء ولكن طعنوا عليه لما أغناهم الله .

ويحتمل قوله : ( ورسوله من فضله ) ما عاملهم رسول الله معاملة الكرام ، وبسط إليهم حتى قالوا : ( هو أذن )[ التوبة : 61 ] يقبل العذر ، فلذلك حملهم على الطعن .

وقوله تعالى : ( فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْراً لَهُمْ ) فيه أن المنافقين يقبل منهم التوبة ( وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً ) يحتمل قوله : ( يتولوا ) بعدما أسلموا ويحتمل قوله ( يتولوا ) أي داموا على الكفر والنفاق ( يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً ) بما ذكرنا : في الدنيا الأمر بالجهاد والقتل والخوف . والتعذيب في الآخرة ظاهر .

وقوله تعالى ( وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) . قد ذكرنا هذا في موضع غير هذا .