تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (80)

وقوله تعالى : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ) قال عامة أهل التأويل إنه لما مات عبد الله بن أبي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه ، فقال : ما أمرك الله بهذا ؛ قال : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ) فقال : «قد خيرني ربي ، فقال : افعل أو لا تفعل »[ ابن جرير الطبري في تفسيره10/200 ] .

وفي بعض الروايات قال له عمر : لا تستغفر فإن الله قد نهاك ، فقال : «يا عمر أفلا أستغفر إحدى وسبعين مرة » ؟ [ السيوطي في الدر المنثور 4/252 ] أو كلاما نحو هذا . فأنزل الله عند ذلك : ( سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم )[ المنافقون : 6 ] .

لكن هذا يبعد ؛ يفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآية التخيير وعمر يمنعه عن ذلك ، ولا يجوز أن يفهم التخيير في ذلك أو يخرج ذلك على التحذير ، أو تكون هذه منسوخة بالتي في المنافقين لأنه وعيد ، والوعيد لا يحتمل النسخ .

والوجه فيه والله أعلم : إن استغفرت لهم فإن استغفارك ليس بالذي يرى ، فلا يجاب ، لكنهم قوم كفروا بالله ورسوله ، وقد تعلم من حكمي أن لا أغفر لمن[ في الأصل من ] مات على ذلك ، [ وذلك ][ ساقطة من الأصل ] يخرج على الاعتذار لرسوله في ذلك والنهي له عن الاستغفار لهم كقوله : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى )[ التوبة : 113 ] وقد علم شرك المنافقين وكفرهم بالله ورسوله ، فنهاه عن الاستغفار لهم ؛ إذ لا يحتمل أن يكون ذلك قبل أن يطلع رسوله على كفرهم . فدل أنه بعد العلم بذلك نهاه .

وفيه دلالة نقض المعتزلة في قولهم أن صاحب الكبيرة : لا يغفر له لأنه أخبر أنه لا يغفر لهم بما ( كفروا بالله ورسوله ) فدل [ أنه ][ ساقطة من الأصل ] إن لم يكن كفر بالله ورسوله فإنه يغفر له وإن له الشفاعة وصاحب الكبيرة ليس بكافر دل أنه ما ذكرنا .

ثم طلب المغفرة من الله والشفاعة لغير يجيء ألا يكون إلا للخواص من الخلق وهم الرسل والأنبياء ، على ما يكون في الشاهد لا ترفع إلى ملوك الأرض الحاجة لغيرهم إلا للخواص[ في الأصل الخواص ] لهم ، ولا يشفعون إلا لأهل[ في الأصل : الأهل ] الشرف عندهم والمنزلة .

لكن الله تعالى : أذن لنا في [ الاستغفار لغيرنا ][ في الأصل : استغفار غيرنا ] بقوله : ( والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان )[ الحشر : 10 ] وقوله : ( سواء عليهم استغفرت لهم أم تستغفر لهم )[ المنافقون : 6 ] .

ويحتمل قولهم ( سواء عليهم ) أي سواء عندهم : أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ويكون طلب استغفارهم من رسول الله استهزاء منهم له بقوله[ في الأصل : حيث ] ( سيقول لك المخلفين من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا )[ الفتح : 11 ] يخرج قولهم : ( فاستغفر لنا ) مخرج الاستهزاء على هذا التأويل .

ويحتمل ذكر السبعين لأن السبعين هو النهاية والغاية في الاستغفار على ما روي أنه كان يستغفر في كل يوم سبعين مرة استغفارا . فأخبر أنك وإن انتهيت [ إلى ][ ساقطة من الأصل ] النهاية فيه لا يغفر لهم ، ولا ينفعهم ذلك .

وقوله تعالى : ( وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) وقت اختيارهم الفسق أو لا يهديهم طريق الجنة في الآخرة لفسقهم في الدنيا إذا ماتوا على ذلك .