النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَهُمۡ يَنۡهَوۡنَ عَنۡهُ وَيَنۡـَٔوۡنَ عَنۡهُۖ وَإِن يُهۡلِكُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (26)

قوله عز وجل : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأوْنَ عَنْهُ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : يَنْهَون عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتباعدون عنه فراراً منه ، قاله محمد ابن الحنفية ، والحسن ، والسدي .

والثاني : يَنْهَون عن القرآن أن يُعْمَل بما فيه ، ويتباعدون من سماعه كيلا يسبق إلى قلوبهم العلم بصحته ، قاله مجاهد ، وقتادة .

والثالث : ينهون عن أذى محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتباعدون عن اتباعه ، قال ابن عباس : نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين عن أذى محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتباعد عما جاء به ، فلا يؤمن به مع وضوح صدقه في نفسه .

واستشهد مقاتل بما دل على ذلك عن شعر أبي طالب بقوله :

ودعوتني وزَعَمْتَ أنَّكَ ناصِحِي *** فلقَدْ صَدَقْت وكُنْتَ ثَمَّ أميناً

وعرضتَ ديناً قد علِمْتُ بأنه *** من خيْرِ أَدْيانِ البَرِيةِ دِيناً

لولا الذَّمَامَةُ أو أُحَاذِرُ سُبَّةً{[861]} *** لَوَجَدْتَني سَمْحاً بذالك مُبِيناً

فاذهب لأمرك ما عليك غَضَاضَةٌ *** وابشِرْ بذاك وقَرَّ مِنَكَ عيوناً

والله لن يَصِلُوا إليك بِجَمْعِهم *** حتى أُوسَّدَ في التُّرابِ دَفِيناً

فنزلت هذه الآية{[862]} ، فقرأها عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له أبو طالب : أما أن أدخل في دينك فلا ، قال ابن عباس : لسابق القضاء في اللوح المحفوظ ، وبه قال عطاء ، والقاسم{[863]} .


[861]:- الذمامة: الحق والحرمة وجمعها ذمامات. السبه: العار.
[862]:- ويروى "فاصدع بما تؤمر".
[863]:- في ق: وبه قال عطاء والقاسم.