النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{ثُمَّ لَمۡ تَكُن فِتۡنَتُهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشۡرِكِينَ} (23)

{ ثُمَّ لَمْ تَكُن فتْنَتهُمْ . . . } الآية . في الفتنة هنا ثلاثة أقاويل :

أحدها : يعني معذرتهم ، فسماها فتنة لحدوثها عن الفتنة ، قاله قتادة .

والثاني : عاقبة فتنتهم وهو شركهم .

والثالث : يعني بلِيتهم{[858]} التي ألزمتهم الحجة وزادتهم لائمة ، قاله أبو عبيد{[859]} القاسم بن سلام .

{ إِلاَّ أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } تبرؤوا بذلك من شركهم ، فإن قيل : كيف كذبوا في الآخرة بجحود الشرك ولا يصح منهم الكذب في الآخرة لأمرين :

أحدهما : أنه لا ينفعهم .

والثاني : أنهم مصروفون عن القبائح ملجؤون إلى تركها لإِزالة التكليف عنهم ، ولو لم يلجؤوا إلى ترك القبيح ويصرفوا عنه مع كما عقولهم وجب تكليفهم ليقلعوا به عن القبيح ، وفي عدم تكليفهم دليل على إلجائهم إلى تركه .

قيل : عن ذلك جوابان .

أحدهما : أن قولهم { وَاللَّهِ رَبنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } أي في الدنيا عند أنفسنا لاعتقادنا فيها أننا على صواب ، وإن ظهر لنا خطؤه الآن ، فلم يكن ذلك منهم كذباً ، قاله قطرب .

والثاني : أن الآخرة مواطن ، فموطن لا يعلمون ذلك فيه ولا يضطرون إليه ، وموطن يعلمون ذلك فيه ويضطرون إليه ، فقالوا ذلك في الموطن الأول ، قاله بعض متأخري المتكلمين .

وهذا ليس بصحيح لأنه يقتضي أن يكونوا في الموطن الأول مكلفين لعدم الإِلجاء والاضطرار ، وفي الموطن الثاني غير مكلفين .


[858]:- سقط من ك.
[859]:- في ك أبو عبيدة.