النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{۞وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (4)

{ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } يعني حسن منظرهم وتمام خلقهم .

{ وإن يقولوا تسمع لقولهم } يعني لحسن منطقهم وفصاحة كلامهم .

ويحتمل ثانياً : لإظهار الإسلام وذكر موافقتهم .

{ كأنهم خشب مسندة } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه شبههم بالنخل القيام لحسن منظرهم .

الثاني : [ شبههم ] بالخشب النخرة لسوء مخبرهم .

الثالث : أنه شبههم بالخشب المسندة لأنهم لا يسمعون الهدى ولا يقبلونه ، كما لا تسمعه الخشب المسندة ، قاله الكلبي ، وقوله : { مسندة } لأنهم يستندون إلى الإيمان لحقن دمائهم .

{ يحسبون كل صيحة عليهم } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنهم لِوَجَلهم وخبثهم يحسبون كل صيحة يسمعونها - حتى لو دعا رجل صاحبه أو صاح بناقته - أن العدو قد اصطلم وأن القتل قد حَلَّ بهم ، قاله السدي .

الثاني : { يحسبون كل صيحة عليهم } كلام ضميره فيه ولا يفتقر إلى ما بعده ، وتقديره : يحسبون كل صيحة عليهم أنهم قد فطن بهم وعلم بنفاقهم لأن للريبة خوفا ، ثم استأنف الله خطاب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : { هم العدو فاحذرهم } وهذا معنى قول الضحاك .

الثالث : يحسبون كل صيحة يسمعونها في المسجد أنها عليهم ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر فيها بقتلهم ، فهم أبداً وجلون{[2985]} ثم وصفهم الله بأن قال : { هم العدو فاحذرهم } حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم .

وفي قوله : { فاحذرهم } وجهان :

أحدهما : فاحذر أن تثق بقولهم وتميل إلى كلامهم .

الثاني : فاحذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك .

{ قاتلهم الله } فيه وجهان :

أحدهما : معناه لعنهم الله ، قاله ابن عباس وأبو مالك .

والثاني : أي أحلهم الله محل من قاتله عدو قاهر ، لأن الله تعالى قاهر لكل معاند ، حكاه ابن عيسى .

وفي قوله : { أني يؤفكون } أربعة أوجه :

أحدها : معناه يكذبون ، قاله ابن عباس .

الثاني : معناه يعدلون عن الحق ، قاله قتادة .

الثالث : معناه يصرفون عن الرشد ، قاله الحسن .

الرابع : معناه كيف يضل عقولهم{[2986]} عن هذا ، قاله السدي{[2987]} .


[2985]:فيما نقله القرطبي عن عبد الرحمان بن أبي حاتم: فهم أبدا وجلون من أن ينزل الله فيهم أمرا يبيح دماءهم ويهتك به أستارهم. وهذه الفقرة نقلها القرطبي كاملة عن المؤلف. انظر تفسير القرطبي 124/ 18.
[2986]:أي مع وضوح الدلائل التي أمامهم ويكون هذا أسلوب استفهام أريد به الاستنكار والتوبيخ.
[2987]:معظم ما تقدم نقله القرطبي حرفيا عن المؤلف. انظر تفسيره 126/ 18.