النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (9)

{ يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } في السعي إليها أربعة أقاويل :

أحدها : النية بالقلوب ، قاله الحسن .

الثاني : أنه العمل لها ، كما قال تعالى : { إن سعيكم لشتى } قاله ابن زيد .

الثالث : أنه إجابة الداعي ، قاله السدي .

الرابع : المشي على القدم من غير إسراع ، وذكر أن عمر وابن مسعود كانا يقرآن { فامضوا إلى ذكر الله } .

وفي ذكر الله ها هنا ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنها موعظة الإمام في الخطبة ، قاله سعيد بن المسيب .

الثاني : أنها الوقت ، حكاه السدي .

الثالث : أنه الصلاة ، وهو قول الجمهور .

وكان اسم يوم الجمعة في الجاهلية العروبة ، لأن أسماء الأيام في الجاهلية كانت غير هذه الأسماء ، فكانوا يسمون يوم الأحد أوّل ، والاثنين أهون ، والثلاثاء جبار ، والأربعاء دبار ، والخميس مؤنس ، والجمعة عروبة ، والسبت شيار ، وأنشدني بعض أهل الأدب :

أؤمل أن أعيش وإن يومي *** بأوّل أو بأهون أو جبار

أو التالي دبار أو فيومي *** بمؤنس أو عروبة أو شيار

وأول من سماه يوم الجمعة كعب بن لؤي بن غالب لاجتماع قريش فيه إلى كعب ، وقيل بل سمي في الإسلام لاجتماع الناس فيه للصلاة .

{ وذروا البيع } منع الله منه عند صلاة الجمعة وحرمه في وقتها على ما كان مخاطباً بفرضها . وفي وقت التحريم قولان :

أحدهما : أنه بعد الزوال [ إلى ما ] بعد الفراغ منها ، قاله الضحاك .

الثاني : من وقت أذان الخطبة إلى الفراغ من الصلاة ، قاله الشافعي رحمه الله .

فأما الأذان الأول فمحدث ، فعله عثمان بن عفان ليتأهب الناس به لحضور الخطبة عند اتساع المدينة وكثرة أهلها ، وقد كان عمر أمر أن يؤذن في السوق قبل المسجد ليقوم الناس عن بيوعهم ، فإذا اجتمعوا أذن في المسجد ، فجعله [ عثمان ] آذانين في المسجد{[2977]} ، وليس يحرم البيع بعده وقبل الخطبة ، فإن عقد في هذا الوقت المحرم بيع لم يبطل البيع وإن كان قد عصى الله ، لأن النهي مختص بسبب يعود إلى العاقدين دون العقد ، وأبطله ابن حنبل تمسكاً بظاهر النهي{[2978]} .

{ ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } يعني أن الصلاة خير لكم من البيع والشراء لأن الصلاة تفوت بخروج وقتها ، والبيع لا يفوت .


[2977]:من: فأما الأذان الأول إلى هنا نقله القرطبي حرفيا إلى المؤلف انظر تفسيره18/ 100.
[2978]:ومذهب مالك أنه يفسخ ما وقع من البيع في ذلك الوقت ولا يفسخ العتق والنتاج والطلاق. أقول والشراء مثل البيع في التحريم لأن كل بيع متضمن شراء.