الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ عَارِضٗا مُّسۡتَقۡبِلَ أَوۡدِيَتِهِمۡ قَالُواْ هَٰذَا عَارِضٞ مُّمۡطِرُنَاۚ بَلۡ هُوَ مَا ٱسۡتَعۡجَلۡتُم بِهِۦۖ رِيحٞ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٞ} (24)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فلما جاءهم عذاب الله الذي استعجلوه، فرأوه سحابا عارضا في ناحية من نواحي السماء "مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ "والعرب تسمي السحاب الذي يُرَى في بعض أقطار السماء عشيا، ثم يصبح من الغد قد استوى، وحبا بعضه إلى بعض عارضا، وذلك لعرضه في بعض أرجاء السماء حين نشأ... "قالُوا هَذَا عارِضٌ مِمْطِرُنا" ظنا منهم برؤيتهم إياه أن غيثا قد أتاهم يَحيون به، فقالوا: هذا الذي كان هودٌ يعدنا، وهو الغيث... وذُكر لنا أنهم حبس عنهم المطر زمانا، فلما رأوا العذاب مقبلاً، "قالُوا هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا"... يقول الله عزّ وجلّ: "بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ ألِيمٌ".

وقوله: "بَلْ هُوَ ما اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ" يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نبيه صلى الله عليه وسلم هود لقومه لما قالوا له عند رؤيتهم عارض العذاب، قد عرض لهم في السماء هذا عارض ممطرنا نحيا به، ما هو بعارض غيث، ولكنه عارض عذاب لكم، "بل هو ما استعجلتم به": أي هو العذاب الذي استعجلتم به، فقلتم: "ائْتِنا بِمَا تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ"، "رِيحٌ فِيها عَذابٌ ألِيمٌ". والريح مكرّرة على ما في قوله: "هُوَ ما اسْتَعْجَلْتمْ بِهِ" كأنه قيل: بل هو ريح فيها عذاب أليم...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

وفي تسميته عارضاً ثلاثة أقاويل:

أحدها: لأنه أخذ في عرض السماء...

الثاني: لأنه يملأ آفاق السماء...

الثالث: لأنه مار من السماء.

والعارض هو المار الذي لا يلبث وهذا أشبه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فلما رأوه} أي العذاب الذي يعدهم به {عارضاً} أي سحاباً أسود بارزاً في الأفق ظاهر الأمر عند من له أهلية النظر، حال كونه قاصداً إليهم- {مستقبل أوديتهم} أي طالباً لأن يكون مقابلاً لها وموجداً لذلك، وهو وصف لعارضاً... {قالوا} على عادة جهلهم مشيرين إليه بأداة القرب الدالة على أنهم في غاية الجهل، لأن جهلهم به استمر حتى كاد أن يواقعهم: {هذا عارض} أي سحاب معترض في عرض السماء أي ناحيتها {ممطرنا} لكونهم رأوه أسود مرتاداً فظنوه ممتلئاً ماء يغاثون به بعد طول القحط وإرسال رسلهم إلى مكة المشرفة ليدعوا لهم هنالك الله الذي استخفوا به بالقدح في ملكه بأن أشركوا به من هو دونهم، علماً منهم بأن شركاءهم لا تغني عنهم في الإمطار شيئاً، غافلين عن ذنوبهم الموجبة لعذابهم، فلذلك قال الله تعالى مضرباً عن كلامهم، والظاهر أنه حكاية لقول هود عليه الصلاة والسلام في جواب كلامهم: {بل هو} أي هذا العارض الذي ترونه {ما استعجلتم به} أي طلبتم العجلة في إتيانه إليكم من العذاب. ولما اشتد تشوف السامع إلى معرفته قال: {ريح} أي ركمت هذا السحاب الذي رأيتموه {فيها عذاب أليم} أي شديد الإيلام، كانت تحمل الظعينة في الجو تحملها وهودجها حتى ترى كأنها جرادة، وكانوا يرون ما كان خارجاً عن منازلهم من الناس والمواشي تطير بهم الريح بين السماء والأرض ثم تقذف بهم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{هذا عارض ممطرنا} يشير إلى أنهم كانوا في حاجة إلى المطر...

لاستقبال: التوجه قبالة الشيء، أي سائراً نحو أوديتهم. وأودية: جمع وادٍ جمعاً نادراً مثل نادٍ وأندية. ويطلق الواد على محلة القوم ونزلهم إطلاقاً أغلبياً لأنّ غالب منازلهم في السهول ومقارّ المياه...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} فقد جاء إليهم في صورة سحاب يعرض في الأفق ثم يمتد في الفضاء المطلّ عليهم، ليستقبل الوديان التي كانت تنتظر المطر الذي يملأ الينابيع ويروي الأرض، ف {قَالُواْ هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} فاستقبلوه باستبشار، كما يستقبل الناس العطشى المطر القادم إليهم عبر السحاب، ولكن المسألة ليست كذلك {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ*}