النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ عَارِضٗا مُّسۡتَقۡبِلَ أَوۡدِيَتِهِمۡ قَالُواْ هَٰذَا عَارِضٞ مُّمۡطِرُنَاۚ بَلۡ هُوَ مَا ٱسۡتَعۡجَلۡتُم بِهِۦۖ رِيحٞ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٞ} (24)

قوله عز وجل : { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتهِمْ } يعني السحاب . وأنشد الأخفش لأبي كبير{[2631]} الهذلي :

وإذا نظرت إلى أسرة وجهه . . . برقت كبرق العارض المنهال{[2632]} .

وفي تسميته عارضاً ثلاثة أقاويل :

أحدها : لأنه أخذ في عرض السماء ، قال ابن عيسى .

الثاني : لأنه يملأ آفاق السماء ، قال النقاش .

الثالث : لأنه مار من السماء . والعارض هو المار الذي لا يلبث وهذا أشبه .

{ قَاُلوا هَذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } حسبوه سحاباً يمطرهم ، وكان المطر قد أبطأ عليهم .

{ بَل هُوَ مَا اسْتَعْجَلتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذابٌ أَلِيمٌ } كانوا حين أوعدهم هود استعجلوه استهزاء منهم بوعيده ، فلما رأوا السحاب بعد طول الجدب أكذبوا هوداً وقالوا : هذا عارض ممطرنا .

ذكر أن القائل ذلك من قوم عاد ، بكر بن معاوية . فلما نظر هود إلى السحاب قال : بل هو ما استعجلتم به ، أي الذي طلبتم تعجيله ريح فيها عذاب أليم{[2633]} وهي الدبور .

وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « نُصِرْتُ بِالصبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ{[2634]} » فنظر بكر بن معاوية إلى السحاب فقال : إني لأرى سحاباً مُرْمِداً ، لا يدع من عَادٍ أحداً . فذكر عمرو بن ميمون أنها كانت تأتيهم بالرجل الغائب حتى تقذفه في ناديهم .

قال ابن اسحاق : واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه هو ومن معه فيها إلا ما يلين على الجلود وتلتذ الأنفس{[2635]} به ، وإنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض .

وحكى الكلبي أن شاعرهم قال في ذلك :

فدعا هود عليهم . . . دعوة أضحوا همودا

عصفت ريح عليهم . . . تركت{[2636]} عاداً خمودا

سخرت سبع ليال . . . لم تدع في الأرض عودا

وعمَّر هود في قومه بعدهم مائة وخمسين سنة .


[2631]:في ك قول أبي كبير.
[2632]:في ك العارضي المتهلل.
[2633]:ساقط من ك.
[2634]:رواه مسلم. انظر الحديث رقم 450 بمختصر صحيح مسلم.
[2635]:به ساقطة من ع.
[2636]:في ك تركهم عاد.