البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ عَارِضٗا مُّسۡتَقۡبِلَ أَوۡدِيَتِهِمۡ قَالُواْ هَٰذَا عَارِضٞ مُّمۡطِرُنَاۚ بَلۡ هُوَ مَا ٱسۡتَعۡجَلۡتُم بِهِۦۖ رِيحٞ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٞ} (24)

والضمير في { رأوه } الظاهر أنه عائد على ما في قوله : { بما تعدنا } ، وهو العذاب ، وانتصب عارضاً على الحال من المفعول .

وقال ابن عطية ، ويحتمل أن يعود على الشيء المرئي الطالع عليهم ، الذي فسره قوله : { عارضاً } .

وقال الزمخشري : { فلما رأوه } ، في الضمير وجهان : أن يرجع إلى ما تعدنا ، وأن يكون مبهماً ، قد وضح أمره بقوله : { عارضاً } ، إما تمييز وإما حال ، وهذا الوجه أعرب وأفصح . انتهى .

وهذا الذي ذكر أنه أعرب وأفصح ليس جارياً على ما ذكره النحاة ، لأن المبهم الذي يفسره ويوضحه التمييز لا يكون إلا في باب رب ، نحو : رب رجلاً لقيته ، وفي باب نعم وبئس على مذهب البصريين ، نحو : نعم رجلاً زيد ، وبئس غلاماً عمرو .

وأما أن الحال يوضح المبهم ويفسره ، فلا نعلم أحداً ذهب إليه ، وقد حصر النحاة المضمر الذي يفسره ما بعده ، فلم يذكروا فيه مفعول رأي إذا كان ضميراً ، ولا أن الحال يفسر الضمير ويوضحه .

والعارض : المعترض في الجو من السحاب الممطر ، ومنه قول الشاعر :

يا من رأى عارضاً أرقت له *** بين ذراعي وجبهة الأسد

وقال الأعشى :

يا من رأى عارضاً قد بث أرمقه *** كأنها البرق في حافاتها الشعل

{ مستقبل أوديتهم } : هو جمع واد ، وأفعلة في جمع فاعل .

الاسم شاذ نحو : ناد وأندية ، وجائز وأجوزة .

والجائز : الخشبة الممتدة في أعلى السقف ، وإضافة مستقبل وممطر إضافة لا تعرف ، فلذلك نعت بهما النكرة .

{ بل هو ما استعجلتم } : أي قال لهم هو ذلك ، أي بل هو العذاب الذي استعجلتم به ، أضرب عن قولهم : { عارض ممطرنا } ، وأخبر بأن العذاب فاجأهم ، ثم قال : { ريح } : أي هي ريح بدل من هو .

وقرأ : ما استعجلتم ، بضم التاء وكسر الجيم ، وتقدمت قصص في الريح ، فأغنى عن ذكرها هنا .