الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ عَارِضٗا مُّسۡتَقۡبِلَ أَوۡدِيَتِهِمۡ قَالُواْ هَٰذَا عَارِضٞ مُّمۡطِرُنَاۚ بَلۡ هُوَ مَا ٱسۡتَعۡجَلۡتُم بِهِۦۖ رِيحٞ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٞ} (24)

قوله : { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً } : في هاء " رَأَوْه " قولان ، أحدهما : أنه عائدٌ على " ما تَعِدُنا " . والثاني : أنه ضميرٌ مُبْهَمٌ يُفَسِّرُه " عارضاً " : إمَّا تمييزاً أو حالاً ، قالهما الزمخشريُّ . ورَدَّه الشيخُ : بأنَّ التمييزَ المفسِّرَ للضميرِ محصورٌ في باب : رُبَّ وفي نِعْمَ وبِئْس ، وبأنَّ الحالَ لم يَعْهَدُوها أَنْ تُوَضِّحَ الضميرَ قبلها ، وأنَّ النَّحْويين لا يَعْرفون ذلك .

قوله : " مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهم " صفةٌ ل " عارِضاً " وإضافتُه غيرُ مَحْضةٍ ، فمِنْ ثَمَّ ساغ أَنْ يكونَ نعتاً لنكرةٍ وكذلك " مُمْطِرُنا " وقع نعتاً ل " عارِض " ومثله :

4043 يا رُبَّ غابِطِنا لو كان يَطْلُبُكُمْ *** لاقى مباعَدَةً منكم وحِرْمانا

والعارِضُ : المُعْتَرِضُ من السحاب في الجوِّ . قال :

4044 يا مَنْ رَأَى عارِضاً أَرِقْتُ له *** بين ذراعَيْ وجَبْهَةِ الأَسَدِ

وقد تقدَّم : أَنَّ أَوْدِيَة جمعُ " وادٍ " ، وأنَّ أَفْعِلة شذَّتْ جمعاً ل فاعِل في ألفاظٍ : كوادٍ وأَوْدِيَة ، ونادٍ وأَنْدِية ، وجائِز وأَجْوِزة .

قوله : " ريحٌ " يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي : هو ريحٌ . ويجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ " هو " . وقُرِئ " ما استُعْجِلْتُمْ " مبنياً للمفعول " وفيها عذابٌ " صفةٌ ل " ريحٌ " وكذلك " تُدَمِّرُ " . وقُرِئ { يَدْمُرُ كُلَّ شَيْءٍ } بالياءِ من تحتُ وسكونِ الدال وضمِّ الميم " كلُّ " بالرفع على الفاعلية أي : يهلك كلُّ شيء . وزيد بن علي كذلك إلاَّ أنه بالتاءِ مِنْ فوقُ ونصبِ " كلَّ " ، والفاعلُ ضميرُ الريح ، وعلى هذا فيكون دَمَّر الثلاثي لازِماً ومتعدياً .