اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ عَارِضٗا مُّسۡتَقۡبِلَ أَوۡدِيَتِهِمۡ قَالُواْ هَٰذَا عَارِضٞ مُّمۡطِرُنَاۚ بَلۡ هُوَ مَا ٱسۡتَعۡجَلۡتُم بِهِۦۖ رِيحٞ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٞ} (24)

قوله : { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً } في «هاء »{[51016]} «رَأَوْهُ » قولان :

أحدهما : أنه عائد على «ما » في قوله «ما تَعِدُنا » .

الثاني : أنه ضمير مبهم يفسره «عَارِضاً » إما تمييزاً ، أو حالاً . قالهما الزمخشري{[51017]} .

وردَّه أبو حيان بأن التمييز المفسِّر للضمير محصورٌ في باب رُبَّ{[51018]} ، وفي نِعْمَ وبِئْسَ{[51019]} ، وبأنَّ الحالَ لم يُعْهَد فيها أن توضع الضمير قبلها ، وأن النَّحويِّين لا يعرفون ذلك{[51020]} . وذكر المبرد في الضمير ههنا قولين :

الأول : ما تقدم . والثاني : أنه يعود إلى غير مذكور وبينه قوله : : «عارضاً » كقوله : { مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } [ فاطر : 45 ] . ولم يذكر الأرض لكونها معلومة فكذا الضمير ههنا ، عائد إلى السحاب ، كأنه قيل : فلما رأَوا السَّحَابَ عارِضاً{[51021]} . وهذا اختيار الزجاج{[51022]} . ويكون من باب الإضمار لا على شريطة التفسير{[51023]} .

والعارض السحابة التي ترى في ناحية السماء ثم تطبّق{[51024]} السماء . قال أهل اللغة : العَارِضُ المُعْتَرِضُ من السَّحَاب{[51025]} في الجوِّ ، قال :

4455 يَا مَنْ رَأَى عَارِضاً أَرقْتُ لَهُ *** بَيْنَ ذِرَاعَيْ وَجَبْهَةِ الأَسَدِ{[51026]}

قوله : { مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } صفة ل «عَارِضاً » ، وإضافة غير محضة{[51027]} فم ثَمَّ سَاغَ أن يكون نعتاً{[51028]} لنكرة وكذلك «مُمْطِرُنَا » وقع نعتاً «لِعَارِضٍ »{[51029]} ومثله :

4456 يَا رُبَّ غَابِطِنَا لَوْ كَانَ يَطْلُبُكُمْ *** لاَقَى مُبَاعَدَةً مِنْكُمْ وَحِرْمَانَا{[51030]}

وقد تقدم أن أوديةً جمع وادٍ ، وأن أفْعِلَةً وردت جمعاً لفاعل في ألفاظ كَوَادٍ وأدْوِيَةٍ ونَادٍ وأنْدِيَةٍ ، وحَائِزٍ{[51031]} وأَحْوِزَةٍ .

فصل

قال المفسرون : كانت عاد قد حبس عنهم المطر أياماً فساق الله إليهم سحابة سوداء فخرجت عليهم من وادٍ لهم يقال له : المغيث ، فلما رأوها استبشروا وقالوا : هذا عارض ممطرنا فقال الله تعالى : { بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ } من العذاب . ثم بين ماهيته فقال : { رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ }


[51016]:في ب "ما" بدل "ها" وهو لحن بين.
[51017]:في الكشاف 3/524 وقد رجح الثاني من الوجهين قائلا: "وهذا الوجه أعرب وأفصح".
[51018]:كرب رجلا.
[51019]:مثل: نعم تلميذا في المدرسة زيد.
[51020]:وهذا بالمعنى من البحر المحيط 8/64 فقد قال: "وهذا الذي ذكره أي الزمخشري أنه أعرب وأفصح ليس جاريا على ما ذكر النحاة، لأن المبهم الذي يفسره ويوضحه التمييز لا يكون إلا في باب رب، نحو رب رجلا لقيته وفي باب نعم وبئس على مذهب البصريين نحو: نعم رجلا زيدا، وبئس غلاما عمرو؛ وأما أن الحال يوضح المبهم ويفسره فلا نعلم أحدا ذهب إليه وقد حصر النحاة المضمر الذي يفسره ما بعده فلم يذكر فيه مفعول رأى إذا كان ضميرا، ولا أن الحال يفسر الضمير ويوضحه".
[51021]:نقله عه الإمام الفخر الرازي 28/27.
[51022]:قال: "أي فلما رأوا السحاب الذي نشأت منه الريح التي عذبوا بها قد عرضت في السماء". معاني القرآن وإعرابه 4/445.
[51023]:الرازي السابق.
[51024]:وهذا رأي أبي زيد فيما نقله عنه الرازي السابق.
[51025]:قال أبو عبيدة في المجاز 2/213: "والعارض السحاب الذي يرى في قطر من أقطار السماوات من العشي ثم الصبح وقد حبا ثم استوى" بينما أطلق ابن قتيبة في غريب القرآن 405 بأنه السحاب فقط.
[51026]:سبق هذا البيت وأتى به شاهدا هنا على أن العارض هو السحاب المعترض.
[51027]:أي في تقدير الانفصال أي مستقبلا أوديتهم.
[51028]:في ب صفة.
[51029]:التبيان 1157.
[51030]:من البسيط لجرير بديوانه 492. والشاهد: رب غابطنا حيث إن الإضافة هنا في تقدير الانفصال فرب لا تدخل إلا على نكرات أي رب غابط لنا وقد تقدم.
[51031]:كذا وردت في النسختين بحاء مهملة وفي البحر بجيم معجمة قال: "والجائز الخشبة الممتدة في أعلى السقف". انظر البحر 8/64 وهذا الجمع شاذ، لأن قياس فاعل الاسم ّفواعل" أو فواعيل وفعلان وفعلان والضم أكثر والصفة يجمع في الغالب على فعلان وقد يكسر على فعال وفعل وفعال وفعلة وفعل وفعلاء ويجيء على فواعل إذا كان وصفا لغير العقلاء"، بتصرف من شرح الشافية 2/151 ـ 158.