جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله، وليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار، وليعذّب المنافقين والمنافقات، بفتح الله لك يا محمد، ما فتح لك من نصرك على مشركي قريش، فيكبتوا لذلك ويحزنوا، ويخيب رجاؤهم الذي كانوا يرجون من رؤيتهم في أهل الإيمان بك من الضعف والوهن والتولي عنك في عاجل الدنيا، وصليّ النار والخلود فيها في آجل الآخرة" وَالمُشْرِكِينَ وَالمُشْرِكاتِ "يقول: وليعذّب كذلك أيضا المشركين والمشركات "الظّانّينَ باللّهِ" أنه لن ينصرك وأهل الإيمان بك على أعدائك، ولن يظهر كلمته فيجعلها العليا على كلمة الكافرين به، وذلك كان السوء من ظنونهم التي ذكرها الله في هذا الموضع، يقول تعالى ذكره: على المنافقين والمنافقات، والمشركين والمشركات الذين ظنوا هذا الظنّ دائرة السوء، يعني دائرة العذاب تدور عليهم به... وقوله: "وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهمْ" يقول: ونالهم الله بغضب منه، ولعنهم: يقول: وأبعدهم فأقصاهم من رحمته، "وأعَدّ لَهُمْ جَهَنّمَ" يقول: وأعدّ لهم جهنم يصلونها يوم القيامة "وَساءَتْ مَصِيرا" يقول: وساءت جهنم منزلاً يصير إليه هؤلاء المنافقون والمنافقات، والمشركون والمشركات...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ويُعذّب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} ذكر للمنافقين من العذاب مقابل ما ذكر للمؤمنين من إنزال السكينة عليهم وإدخالهم الجنة. حرم هؤلاء السكينة التي ذكر أن قلوب المؤمنين بها تسكُن لما علم أنهم يختارون عداوته، ويُؤثرون عداوة أوليائه على ولايتهم، وعلم من المؤمنين أنهم يؤثرون ولايته على عداوته وولاية أوليائه على عداوتهم، فأنزل السكينة في قلوبهم، ولم يُنزل على أولئك، هذا ليُعلِم أن من بلغ في الإيمان الحد الذي ذكر إنما بلغ ذلك بالله تعالى وبفضله وبرحمته، ولا قوة إلا بالله...
{الظانّين بالله ظنّ السَّوْء} هم المنافقون...
ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرجع إلى أهله وكذلك المؤمنون لا يرجعون إلى أهليهم أبدا...
وجائز أن يكون قوله: {الظانين بالله ظن السَّوء} هم المشركون...
. ثم أخبر أن عليهم دائرة السّوء الذي ظنوا ألا يرجع إلى أهله رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار عليهم ما ظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين تفرّقوا عن أوطانهم، وهُتكت أستارهم، ونحو ذلك. وإن كانوا من مكذّبي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يُرسله فظنّهم كان ما ظنوا لأنه بُعث هو رسولا، ولم يُبعث من اختاروا هم. وإن كانوا من منكري البعث فعليهم كان عذاب اليوم، وفيه هلاكهم...
{وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم جهنّم وساءت مصيرا} أخبر عز وجل أنهم استوجبوا غضب الله ولعنه بالذي كان منهم من سوء ظنهم بالله ورسوله {وأعدّ لهم جهنّم} بذلك {وساءت مصيرا} لهم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ومعنى {ظَنَّ السوء} ظنهم أن الله تعالى لا ينصر الرسول والمؤمنين، ولا يرجعهم إلى مكة ظافرين فاتحيها عنوة وقهراً.
{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء} أي: ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم -والسوء: الهلاك والدمار. وقرئ: «دائرة السوء» بالفتح، أي: الدائرة التي يذمونها ويسخطونها، فهي عندهم دائر سوء، وعند المؤمنين دائرة صدق...
واعلم أنه قدم المنافقين على المشركين في الذكر في كثير من المواضع لأمور
(أحدها) أنهم كانوا أشد على المؤمنين من الكافر المجاهر، لأن المؤمن كان يتوقى المشرك المجاهر وكان يخالط المنافق لظنه بإيمانه، وهو كان يفشي أسراره...
.وهو أن السوء صار عبارة عن الفساد، والصدق عبارة عن الصلاح...
. {عليهم دائرة السوء} أي دائرة الفساد وحاق بهم الفساد بحيث لا خروج لهم منه.
ثم قال تعالى: {وغضب الله عليهم} زيادة في الإفادة...
. {ولعنهم} زيادة إفادة لأن المغضوب عليه قد يكون بحيث يقنع الغاضب بالعتب والشتم أو الضرب، ولا يفضي غضبه إلى إبعاد المغضوب عليه من جنابه وطرده من بابه، وقد يكون بحيث يفضي إلى الطرد والإبعاد، فقال: {ولعنهم} لكون الغضب شديدا، ثم لما بين حالهم في الدنيا بين مآلهم في العقبى قال: {وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا} وقوله {ساءت} إشارة لمكان التأنيث في جهنم يقال هذه الدار نعم المكان.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
"ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات " أي بإيصال الهموم إليهم بسبب علو كلمة المسلمين، وبأن يسلط النبي عليه السلام قتلا وأسرا واسترقاقا. " الظانين بالله ظن السوء " يعني ظنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرجع إلى المدينة، ولا أحد من أصحابه حين خرج إلى الحديبية، وأن المشركين يستأصلونهم. كما قال: " بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا " [الفتح: 12]. وقال الخليل وسيبويه: " السوء " هنا الفساد. " عليهم دائرة السوء " في الدنيا بالقتل والسبي والأسر، وفي الآخرة جهنم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ويعذب المنافقين} أي يزيل كل ما لهم من العذوبة {والمنافقات} بما غاظهم من ازدياد الإيمان {والمشركين والمشركات} بصدهم الذي كان سبباً للمقام الدحض الذي كان سبباً لإنزال السكينة الذي كان سبباً لقوة أهل الإسلام بما تأثر عنه من كثرة الداخلين فيه، الذي كان سبباً لتدمير أهل الكفران...
{الظانين بالله} أي المحيط بجميع صفات الكمال {ظن السوء} من أنه لا يفي بوعده في أنه ينصره رسوله صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنين...
{عليهم} أي في الدنيا والآخرة بما يخزيهم الله به من كثرة جنوده وغيظهم منهم وقهرهم بهم {دائرة السوء} التي دبروها أو قدروها للمسلمين لا خلاص لهم منها، فهم مخذولون في كل موطن خذلاناً ظاهراً يدركه كل أحد، وباطناً يدركه من أراد الله تعالى من أرباب البصائر كما اتفق في هذه العمرة، والسوء -بالفتح والضم: ما يسوء كالكره إلا أنه غلب في أن يضاف إلى ما يراد ذمه، والمضموم جار مجرى الشر الذي هو ضد الخير-...
{وغضب الله} أي الملك الأعظم بما له من صفات الجلال والجمال فاستعلى غضبه {عليهم}، وهو عبارة عن أنه يعاملهم معاملة الغضبان بما لا طاقة لهم به...
{ولعنهم} أي طردهم طرداً سفلوا به أسفل سافلين، فبعدوا به عن كل خير...
. {وأعد} أي هيأ الآن {لهم جهنم} تلقاهم بالعبوسة والغيظ والزفير والتجهم كما كانوا يتجهمون عباد الله مع ما فيها من العذاب بالحر والبرد والإحراق، وغير ذلك من أنواع المشاق. ولما كان التقدير: فساءت معداً، عطف عليه قوله: {وساءت مصيراً}.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وأما المنافقون والمنافقات، والمشركون والمشركات، فإن الله يعذبهم بذلك، ويريهم ما يسوءهم؛ حيث كان مقصودهم خذلان المؤمنين، وظنوا بالله الظن السوء، أنه لا ينصر دينه، ولا يعلي كلمته، وأن أهل الباطل، ستكون لهم الدائرة على أهل الحق، فأدار الله عليهم ظنهم، وكانت دائرة السوء عليهم في الدنيا...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وقد جمع النص بين المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات في صفة ظن السوء بالله؛ وعدم الثقة بنصرته للمؤمنين. وفي أنهم جميعا (عليهم دائرة السوء) فهم محصورون فيها، وهي تدور عليهم وتقع بهم. وفي غضب الله عليهم ولعنته لهم، وفيما أعده لهم من سوء المصير...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فذكر الله من عِلة ذلك النصر أنّه يعذّب بسببه المنافقين حزبَ العدو، والمشركين صميم العدوّ، فكان قوله: {ويعذب المنافقين} معطوفاً على {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات} [الفتح: 5]. والمراد: تعذيب خاص زائد على تعذيبهم الذي استحقوه بسبب الكفر والنفاق وقد أومأ إلى ذلك قوله بعده {عليهم دائرة السوء}...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(وأعدّ لهم جهنّم وساءت مصيراً). والذي يسترعي الانتباه أنّه في الحديبيّة كان أغلبُ الحاضرين من المسلمين رجالاً، وفي مقابلهم من المنافقين والمشركين رجالاً أيضاً، غير أنّ الآيات الآنفة أشركت الرجال والنساء في ذلك الفوز العظيم، وهذا العذاب الأليم، وذلك لأنّ الرجال المؤمنين أو المنافقين الذين يقاتلون في «ساحات القتال» لا يحقّقون أهدافهم إلاّ أن تدعمهم النساء بالدعم اللازم. وأساساً فإنّ الإسلام ليس دين الرجال فحسب فيُهمل شخصيّة المرأة، بل يهتمّ بها، في كلّ موطن يوهم الكلام بالاقتصار على الرجل مع عدم ذكر المرأة فيه يصرّح بذكرها ليُعلَم أنّ الإسلام دين الجميع دون استثناء رجالاً ونساءً.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.