جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرٗا} (6)

{ ويعذب } ، عطف على يدخل ، { المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن{[4648]} السوء } : يظنون أن لن ينصر الموحدين أي : ظن الشيء السوء ، { عليهم دائرة السوء } أي : عليهم خاصة ما يظنونه بالمؤمنين يحيط بهم إحاطة الدائرة بما فيها ، والإضافة بمعنى من ، { وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا } : جهنم ،


[4648]:قال الإمام المقريزي في كتاب"تجريد التوحيد" بعد ذكر إساءة ظن المشركين برب العالمين قال: وبالجملة فأعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به، ولهذا يتوعدهم في كتابه على إساءة الظن به أعظم وعيد كما قال تعالى: {الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا} وقال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام: {أئفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين}[الصفات:86-87] أي: فما ظنكم أن يجازيكم إذا عبدتم معه غيره، وظننتم أنه يحتاج في الإطلاع على ضرورات عباده لمن يكون بابا للحوائج إليه ونحو ذلك، وهذا بخلاف الملوك فإنهم محتاجون إلى الوسائط ضرورة لحاجتهم وعجزهم وضعفهم وقصور علمهم عن إدراك حوائج المضطرين فأما من لا يشغله سمع عن سمع، وسبقت رحمته غضبه، وكتب على نفسه الرحمة فما تصنع الوسائط عنده، فمن اتخذ واسطة بينه وبين الله تعالى فقد ظن به أقبح الظن، ومستحيل أن يشرعه لعباده؛ بل ذلك ممتنع في العقول، والفطر. واعلم أن الخضوع والتأله الذي يجعله العبد لتلك الوسائط قبيح في نفسه كما قررناه لا سيما إذا كان المجعول له ذلك عبدا للملك العظيم الرحيم القريب المجيب مملوكا له كما قال تعالى:{ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم}أي: إذا كان أحدهم يأنف أن يكون ملوكه شريكه في رزقه، فكيف تجعلون لي من عبيدي شريك فيما أنا منفرد به، وهو الإلهية التي لا تنبغي لغيري، ولا تصلح لسوائي فمن زعم ذلك فما قدرني حق قدري، ولا عظمني حق تعظيمي إلى أن قال: واعلم أنك إذا تأملت جميع طوائف الضلال، والبدع وجدت أضل ضلالهم راجعا إلى شيئين أحدهما: ظنهم بالله ظن السوء، والثاني: أنهم لم يقدروا الرب حق قدره انتهى مختصرا، ومن شاء الإطلاع على تفاصيل ظن السوء وأصناف المسيئين الظن بالله فليرجع إلى كتاب الإمام شمس الدين ابن القيم زاد المعاد في هدى خير العباد في فضل غزوة أحد تحت قوله تعالى:{وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية}[آل عمران:154] وقد مر بعض ذلك في سورة الأحزاب تحت قوله:{وتظنون بالله الظنون}[الأحزاب:10] فتذكر/12.