السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرٗا} (6)

قال تعالى : { ويعذب المنافقين } المخفين للكفر المظهرين الإيمان أي : فيزيل كل ما لهم من العذوبة { والمنافقات } لما غاظهم من ازدياد الإيمان { والمشركين والمشركات } أي : المظهرين الكفر للمؤمنين وقدّم المنافقين على المشركين في كثير من المواضع ؛ لأنهم كانوا أشدّ على المؤمنين من الكفار المجاهرين ؛ لأن المؤمن كان يتوقى المشرك المجاهر ويخالط المنافق لظنه إيمانه وكان يفشي أسراره وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك » ولهذا قال الشاعر :

احذر عدوّك مرّة *** واحذر صديقك ألف مرّة

فلربما انقلب الصدي *** ق فكان أخبر بالمضرّة

وقوله تعالى : { الظانين بالله } أي : المحيط بصفات الكمال صفة للفريقين وأما قوله تعالى { ظنّ السوء } فقال أكثر المفسرين : هو أن لا ينصر محمداً صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، ولا يرجعهم إلى مكة ظافرين { عليهم دائرة السوء } أي : دائرة ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم لا يتخطاهم . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : بضم السين والباقون بالفتح . وهما لغتان كالكره والكره والضعف والضعف من ساء إلا أنّ المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمّه من كل شيء ، وأمّا السوء فجار مجرى الشرّ الذي هو نقيض الخير { وغضب الله } أي : الملك الأعظم بما له من صفات الجلال والجمال فاستعلى غضبه { عليهم } وهو أنه تعالى يعاملهم معاملة الغضبان بما لا طاقة لهم به { ولعنهم } أي : طردهم طرداً أنزلوا به أسفل السافلين فبعدوا به عن كل خير { وأعد } أي : هيأ { لهم } الآن { جهنم } تلقاهم بالعبوسة والتغيظ والزفير والتجهم كما كانوا يتجهمون عباد الله مع ما فيها من العذاب والحرّ والبرد والإحراق وغير ذلك من أنواع المشاق { وساءت } أي : جهنم { مصيراً } أي : مرجعاً .