الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{۞وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَۚ قَالَ عَذَابِيٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَآءُۖ وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ} (156)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة}، يعني المغفرة، {وفي الآخرة} حسنة، يعني الجنة، {إنا هدنا إليك}، يعني تبنا إليك، {قال} الله: {عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء}، يعني ملأت كل شيء، {فسأكتبها}، يعني الرحمة، {للذين يتقون}... ربهم، {ويؤتون الزكاة}، يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم، {والذين هم بآياتنا يؤمنون}، يعني بالقرآن يصدقون أنه من الله...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مخبرا عن دعاء نبيه موسى عليه السلام أنه قال فيه:"وَاكْتُبْ لَنا": أي اجعلنا ممن كتبت له "فِي هَذِهِ الدّنْيا حَسَنَةً "وهي الصالحات من الأعمال، "وَفي الاَخِرَةِ "ممن كتبت له المغفرة لذنوبه...

وقوله: "إنّا هُدْنا إلَيْكَ" يقول: إنا تبنا إليك...

"قالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أشاءُ وَرَحْمَتي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ فَسأَكْتُبُها لِلّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ والّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ" يقول تعالى ذكره: قالَ الله لموسى: هذا الذي أصبت به قومك من الرجفة "عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أشاءُ" من خلقي، كما أصيب به هؤلاء الذين أصبتهم به من قومك. "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ" يقول: ورحمتي عمت خلقي كلهم. وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم: مخرجه عامّ ومعناه خاصّ، والمراد به: ورحمتي وسعت المؤمنين بي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، واستشهد بالذي بعده من الكلام، وهو قوله: "فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ..."...

وقال آخرون: بل ذلك على العموم في الدنيا وعلى الخصوص في الآخرة... عن الحسن وقتادة، في قوله: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ" قالا: وسعت في الدنيا البرّ والفاجر، وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة.

وقال آخرون: هي على العموم، وهي التوبة... وأما قوله: "فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ" فإنه يقول: فسأكتب رحمتي التي وسعت كلّ شيء... للقوم الذين يخافون الله ويخشون عقابه على الكفر به والمعصية له في أمره ونهيه، فيؤدون فرائضه، ويجتنبون معاصيه...

وأما الزكاة وإيتاؤها، فقد بيّنا صفتها فيما مضى بما أغنى عن إعادته.

وقد ذُكر عن ابن عباس في هذا الموضع أنه قال في ذلك..."وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ" قال: يطيعون الله ورسوله، فكأن ابن عباس تأوّل ذلك بمعنى أنه العمل بما يزكي النفس ويطهّرها من صالحات الأعمال.

وأما قوله: "وَالّذِينَ هُمْ بآياتِنا يُؤْمِنُونَ" فإنه يقول: وللقوم الذين هم بأعلامنا وأدلتنا يصدّقون ويقرّون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قوله -عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ..)

تحتمل الكتابة الإيجاب، أي: أوجب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة أو الإثبات، أي: أثبت لنا وأعطنا في هذه الدنيا حسنة ويكون كقوله: (آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً).

وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَاكْتُبْ لَنَا)، أي: وفق لنا العمل الذي نستوجب به الحسنة في الدنيا والآخرة.

وقوله- عَزَّ وَجَلَّ -: (فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً) تختم بها الدنيا وتنقضي بها، وإلا ما من مسلم إلا وله في هذه الدنيا حسنة أتاه إياها، وعلى ذلك يخرج قوله: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) أنهم إنما سألوا حسنة لأن يختموا عليها، ويكون قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ)، كذا، واللَّه أعلم بذلك.

وقوله -عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ). قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (هُدْنَا إِلَيْكَ)، أي: ملنا إليك...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وقوله "قال عذابي أصيب به من أشاء "حكاية عما أجابهم الله به من أن عذابه يصيب به من يشاءه ممن استحقه بعصيانه...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

نَطَقَ بلسان التضرع والابتهال حيث صَفَّى إليه الحاجة، وأخلص له في السؤال فقال: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ} أي اهدنا إليك. وفي هذه إشارة إلى تخصيص نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- في التبري من الحول والقوة والرجوع إلى الحقِّ لأن موسى -عليه السلام قال: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي...} ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقلَّ من ذلك"، وقال:"... ويقال في قوله تعالى: {وَسِعَتْ كُلَّ شَيء} مجالٌ لآمالِ العُصَاة؛ لأنهم وإن لم يكونوا من جملة المطيعين والعبادين والعارفين فهم شيء... "فَسَأَكْتُبُهَا"...أي سأوجبها لهم، فيجب الثواب للمؤمنين من الله ولا يجب لأحدٍ شيء على الله إذ لا يجب عليه شيءٍ لعزِّه في ذاته...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{واكتب لَنَا} وأثبت لنا وأقسم {فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ}: عافية وحياة طيبة وتوفيقاً في الطاعة، {وَفِي الآخرة} الجنة. {هُدْنَا إِلَيْكَ} تبنا إليك، وهاد إليه يهود إذا رجع وتاب. والهود: جمع هائد، وهو التائب...

وقرأ أبو وجرة السعدي: «هِدنا إليك» (بكسر الهاء)، من هاده يهيده: إما حرّكه وأماله، ويحتمل أمرين؛ أن يكون مبنياً للفاعل والمفعول بمعنى حركنا إليك أنفسنا وأملناها أو حرّكنا إليك وأملنا على تقدير: فعلنا، كقولك: عدت يا مريض بكسر العين، فعلت من العيادة...

{عَذَابِي} من حاله وصفته أني {أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء} أي من وجب عليّ في الحكمة تعذيبه، ولم يكن في العفو عنه مساغ لكونه مفسدة. وأمّا {رَّحْمَتِي} فمن حالها وصفتها أنها واسعة تبلغ كل شيء، ما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلاّ وهو متقلب في نعمتي... فسأكتب هذه الرحمة كتبه خاصة منكم يا بني إسرائيل للذين يكونون في آخر الزمان من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم، الذين هم بجميع آياتنا وكتبنا يؤمنون، لا يكفرون بشيء منها.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

و {حسنة} لفظ عام في كل ما يحسن في الدنيا من عافية وغنى وطاعة لله تعالى وغير ذلك وحسنة الآخرة الجنة لا حسنة دونها ولا مرمى وراءها...

ومعنى: {يتقون}: يجعلون بينهم وبين المتقى وقاية وحجاباً...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

: {عذابي أصيب به من أشاء} معناه إني أعذب من أشاء وليس لأحد علي اعتراض لأن الكل ملكي، ومن تصرف في خالص ملكه فليس لأحد أن يعترض عليه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

وكأنه أحسن العفو عنهم فقال عاطفاً على سؤاله فيه: {واكتب لنا} أي في مدة إحيائك لنا {في هذه الدنيا} أي الحاضرة والدنية {حسنة} أي عيشة راضية طيبة {وفي} الحياة {الآخرة} أي كذلك؛ ثم علل ذلك بقوله: {إنا هدنا} أي تبنا {إليك} أي عما لا يليق بجنابك كما أمرتنا أن نجبر ما عساه يقع منا بالمبادرة إلى التوبة، فبدأ بذكر عزة الربوبية وثنى بذلة العبودية وهما أقوى أسباب السعادة، وهذا تلقين لهم وتعليم وتحذير من مثل ما وقعوا فيه وحث على التسليم، وكأنه لما كان ذنبهم الجهر بما لا يليق به سبحانه من طلب الرؤية، عبر بهذا اللفظ أو ما يدل على معناه تنبيهاً لهم على أن اسمهم يدل على التوبة والرجوع إلى الحق والصيرورة إلى الصلاح واللين والضعف في الصوت والاستكانة في الكلام والسكوت عما لا يليق، وأن يهودا الذي أخذ اسمه من ذلك إنما سموا به ونسبوا إليه تفاؤلاً لهم ليتبادروا إلى التوبة.

ولما كان في كلامه عليه السلام إنكار إهلاك الطائع بذنب العاصي وإن كان ذلك إنما كان على سبيل الاستعطاف منه والتملق مع العلم بأنه عدل منه تعالى وله أن يفعل ما يشاء بدليل قوله: {ولو شئت أهلكتهم من قبل وإياي} [الأعراف: 155] استأنف سبحانه الإخبار عن الجواب عن كلامه على وجه منبه للجماهير على أن له التصرف المطلق بقوله: {قال عذابي} أي انتقامي الذي يزيل كل عذوبة عمن وقع به {أصيب به} أي في الدنيا والآخرة {من أشاء} أي أذنب أو لم يذنب {ورحمتي} أي إنعامي وإكرامي.

ولما كان الإيجاد من الرحمة فإنه خير من العدم فهو إكرام في الجملة، قال: {وسعت كل شيء} أي هذا شأنها وصفتها في نفس الأمر وإن بلغ في القبائح ما عساه أن يبلغ، وهذا معنى حديث أبي هريرة في الصحيح "إن رحمتي سبقت -وفي رواية: غلبت- غضبي "سواء قلنا:إن السبق بمعنى الغلبة، أو قلنا إنه على بابه، أما الأول فلأن تعلق الرحمة أكثر، لأن كل ما تعلق به الغضب تعلقت به الرحمة بإيجاد وإفاضة الرزق عليه، ولا عكس كالحيوانات العجم والجمادات وأهل السعادة من المؤمنين والملائكة والحور وغيرهم من جنود الله التي لا تحصى. ولما أعلم أن رحمته واسعة وقدرته شاملة، وكان ذلك موسعاً للطمع، سبب عن ذلك قوله ذاكراً شرط إتمام تلك الرحمة ترهيباً لمن يتوانى عن تحصيل ذلك الشرط: {فسأكتبها} أي أخص بدوامها بوعد لا خلف فيه لأجل تمكني بتمام القدرة مما أريد مبتوتاً أمرها بالكتابة {للذين يتقون} أي يوجد لهم هذا الوصف الحامل على كل خير ولا يخلّ بوسعها أن أمنع دوامها بعد الإيجاد من غيرهم، فإن الكل لو دخلوا فيها دائماً ما ضاقت بهم، فهي في نفسها واسعة و لكني أفعل ما أشاء.

ولما ذكر نظرهم إلى الخالق بالانتهاء عما نهى عنه والائتمار بما أمر به، أتبعه النظر إلى الخلائق فقال: {ويؤتون الزكاة} ولعله خصها لأن فرضها كان في هذا الميقات كما تقدم في البقرة ولأنها أمانة فيما بين الخلق والخالق كما أن صفات النبي صلى الله عليه وسلم التي كتبها لهم وشرط قبول أعمالهم باتباعه كذلك؛ ثم عمم بذكر ثمرة التقوى فقال مخرجاً لمن يوجد منه ذانك الوصفان في الجملة على غير جهة العموم: {والذين هم بآياتنا} أي كلها {يؤمنون} أي يصدقون بالقلب ويقرون باللسان ويعملون تصديقاً لذلك بالأركان، فلا يكفرون ببعض ويؤمنون ببعض.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة، إنا هدنا إليك).

رجعنا إليك، والتجأنا إلى حماك، وطلبنا نصرتك.

وهكذا قدم موسى -عليه السلام- لطلب المغفرة والرحمة، بالتسليم لله والاعتراف بحكمة ابتلائه، وختمه بإعلان الرجعة إلى الله والالتجاء إلى رحابه. فكان دعاؤه نموذجاً لأدب العبد الصالح في حق الرب الكريم؛ ونموذجاً لأدب الدعاء في البدء والختام.

ثم يجيئه الجواب:

(قال: عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء)..

تقريراً لطلاقة المشيئة، التي تضع الناموس اختياراً، وتجريه اختياراً: وإن كانت لا تجريه إلا بالعدل والحق على سبيل الاختيار أيضاً، لأن العدل صفة من صفاته تعالى لا تتخلف في كل ما تجري به مشيئته، لأنه هكذا أراد.. فالعذاب يصيب به من يستحق عنده العذاب.. وبذلك تجري مشيئته.. أما رحمته فقد وسعت كل شيء؛ وهي تنال من يستحقها عنده كذلك.. وبذلك تجري مشيئته، ولا تجري مشيئته -سبحانه- بالعذاب أو بالرحمة جزافاً أو مصادفة. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وبعد تقرير القاعدة يطلع الله نبيه موسى على طرف من الغيب المقبل، إذ يطلعه على نبأ الملة الأخيرة التي سيكتب الله لها رحمته التي وسعت كل شيء.. بهذا التعبير الذي يجعل رحمة الله أوسع من ذلك الكون الهائل الذي خلقه، والذي لا يدرك البشر مداه.. فيالها من رحمة لا يدرك مداها إلا الله!

(فسأكتبها للذين يتقون، ويؤتون الزكاة، والذين هم بآياتنا يؤمنون).

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والتفريع في قوله: {فسأكتبها} تفريع على سعة الرحمة، لأنها لما وسعت كل شيء كان منها ما يكتب أي يعطى في المستقبل للذين أجريت عليهم الصفات ويتضمن ذلك وعداً لموسى ولصلحاء قومه لتحقق تلك الصفات فيهم، وهو وعد ناظر إلى قول موسى {إنا هدنا إليك} والضمير المنصوب في {أكْتُبها} عائدِ إلى {رحمتي}...

والمعنى: أن الرحمة التي سألها موسى له ولقومه وعدَ اللَّهُ بإعطائِها لمن كان منهم متصفاً بأنه من المتقين والمؤتين الزكاة، ولمن كان من المؤمنين بآيات الله، والآياتُ تصدق: بدلاِئل صدق الرسل، وبكلمات الله التي شرع بها للناس رَشادهم وهديهم، ولا سيما القرآن لأن كل مقدار ثلاث آيات منه هو آية لأنهُ معجز فدال على صدق الرسول، وهو المقصود هنا، وهم الذين يتبعون الرسول الامي إذا جاءهم، أي يطيعونه فيما يأمرهم، ولما جعلت هذه الأشياء بسبب تلك الرحمة علم أن التحصيل على بعضها يحصّل بعض تلك الرحمة بما يناسبه، بشرط الإيمان، كما علم من آيات أخرى خاطب الله بها موسى كقوله آنفاً {والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا} [الأعراف: 153] فتشمل هذه الرحمة من اتقى وآمن وآتى الزكاة من بني إسرائيل قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فإن أتباعهم إياه متعذر الحصول قبل بعثته، ولكن يجب أن يكونوا عازمين على اتباعه عند مجيئه إن كانوا عالمين بذلك كما قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاقَ النبيئين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} [آل عمران: 81، 82]. وتشمل الرحمة أيضاً الذين يؤمنون بآيات الله، والمعنى بها الآيات التي ستجيئ في المستقبل، لأن آيات موسى قد استقر الإيمان بها يومئذ، وهذا موجب إعادة اسم الموصول في ذكر أصحاب هذه الصلة، للإشارة إلى أنهم طائفة أخرى، وهم من يكون عند بعثة محمد عليه الصلاة والسلام، ولذلك أبدل منهم قوله: {الذين يتبعون الرسولَ} إلخ.

وهو إشارة إلى اليهود والنصارى الكائنين في زمن البعثة وبعدها لقوله: {الذي يجدونه مكتوباً عندهم} ولقوله: {ويضع عنهم إصرهم والأغلالَ التي كانت عليهم} فإنه يدل على أنهم كانوا أهل شريعة فيها شدة وحرج، والمراد بآيات الله: القرآن، لأن ألفاظه هي المخصوصة باسم الآيات، لأنها جُعلت معجزات للفصحاء عن معارضتها. ودالة على أنها من عند الله وعلى صدق رسوله...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

ولقد ذكر الله تعالى حسنة الدنيا، وطوى في الذكر حسنة الآخرة؛ لأنها ليست عملا، بل هي جزاء على عمل في الدنيا ثمرة الأولى، فمن حسنت دنياه وكانت للخير، حسنت آخرته، وكان نعيما مقيما وقوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} العموم فيها عموم كامل صادق، وقال سبحانه وتعالى: {كل شيء} ولم يقل كل شخص، للإشارة إلى أن الرحمة شاملة عامة للأشياء والأشخاص، فشريعته عدل ورحمة وإرساله الرسل عدل ورحمة وخلقه الكون وما فيه من شمس مشرقة مضيئة للكون، وقمر منير، ونجوم ذات بروج، وسحاب ورياح مرسلات رحمة، وهكذا كل ما سخره الله تعالى للإنسان، وما مكنه من رحمة به.