وقوله تعالى : { أم حسبت } الآية ، مذهب سيبويه في { أم } إذا جاءت دون أن يتقدمها ألف استفهام أنها بمعنى بل وألف الاستفهام كأنه قال : بل أحسبت إضراباً عن الحديث الأول واستفهاماً عن الثاني وقال بعض النحويين : هي بمنزلة ألف الاستفهام ، وأما معنى الكلام فقال الطبري : هو تقرير للنبي صلى الله عليه وسلم على حسابه أن أصحاب الكهف كانوا عجباً بمعنى إنكار ذلك عليه أي لا تعظم ذلك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة ، فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم وأشنع ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق ، وذكر الزهراوي : أن الآية تحتمل معنى آخر وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق ، وذكر الزهراوي : أن الآية تحتمل معنى آخر وهو أن تكون استفهاماً له هل علم أصحاب الكهف عجباً ، بمعنى إثبات أنهم عجب وتكون فائدة تقريره جمع نفسه لام لأن جوابه أن يقول لم أحسب ولا علمته فيقال له : وصفهم عند ذلك والتجوز في هذا التأويل هو في لفظه حسبت فتأمله ، و { الكهف } النقب المتسع في الجبل وما لم يتسع منها فهو غار ، وحكى النحاس عن أنس بن مالك أنه قال : { الكهف } الجبل وهذا غير شهير في اللغة ، واختلف الناس في { الرقيم } ، فقال كعب ، { الرقيم } القرية التي كانت بإزاء { الكهف } ، وقال ابن عباس وقتادة : { الرقيم } الوادي الذي كان بإزائه وهو واد بين عصبان وأيلة{[7748]} دون فلسطين ، وقال ابن عباس أيضاً هو الجبل الذي فيه { الكهف } ، وقال السدي : { الرقيم } الصخرة التي كانت على { الكهف } ، وقال ابن عباس { الرقيم } كتاب مرقوم كان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين عيسى ، وقيل من دين قبل عيسى ، وقال ابن زيد : كتاب عمى الله علينا أمره ولم يشرح لنا قصته ، وقالت فرقة : { الرقيم } كتاب في لوح نحاس ، وقال ابن عباس : في لوح رصاص كتب فيه القوم الكفار الذين فر الفتية منهم قصتهم وجعلوها تاريخاً لهم ذكروا وقت فقدهم وكم كانوا وبني من كانوا ، وقال سعيد بن جبير : { الرقيم } لوح من حجارة كتبوا فيه قصة { أصحاب الكهف } ووضعوه على باب الكهف .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
ويظهر من هذه الروايات أنهم كانوا قوماً مؤرخين للحوادث وذلك من قبل المملكة{[7749]} وهو أمر مفيد ، وهذه الأقوال مأخوذة من الرقم ومنه كتاب مرقوم{[7750]} ، ومنه الأرقم لتخطيطه{[7751]} ، ومنه رقمة الوادي أي مكان جري الماء وانعطافه يقال عليك بالرقمة وخل الضفة{[7752]} وقال النقاش عن قتادة : { الرقيم } دراهمهم ، وقال أنس بن مالك والشعبي { الرقيم } الكلب ، وقال عكرمة { الرقيم } الدواة ، وقالت فرقة : { الرقيم } كان لفتية آخرين في السراة جرى لهم ما جرى ل { أصحاب الكهف } ، وروي عن ابن عباس أنه قال ما أدري ما { الرقيم } أكتاب أو بنيان ، وروي أنه قال : كل بالقرآن أعلمه إلا الحنان والأواه والرقيم .
( أم ) للإضراب الانتقالي من غرض إلى غرض . ولما كان هذا من المقاصد التي أنزلت السورة لبيانها لم يكن هذا الانتقال اقتضاباً بل هو كالانتقال من الديباجة والمقدمة إلى المقصود .
على أن مناسبة الانتقال إليه تتصل بقوله تعالى : { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً } [ الكهف : 6 ] ، إذ كان مما صرف المشركين عن الإيمان إحالتهم الإحياء بعد الموت ، فكان ذكر أهل الكهف وبعثِهم بعد خمودهم سنين طويلة مثالاً لإمكان البعث .
و { أم } هذه هي ( أم ) المنقطعة بمعنى ( بل ) ، وهي ملازمة لتقدير الاستفهام معها ، يقدر بعدها حرف استفهام ، وقد يكون ظاهراً بعدها كقول أفْنُون التغلبي :
أنّى جَزَوا عامراً سُوءاً بضعته *** أم كيف يجزونني السُّوأَى عن الحسن
والاستفهام المقدر بعد ( أم ) تعجيبي مثل الذي في البيت .
والتقدير هنا : أحسبت أن أصحاب الكهف كانوا عجباً من بين آياتنا ، أي أعجب من بقية آياتنا ، فإن إماتة الأحياء بعد حياتهم أعظم من عجب إنامة أهل الكهف . لأن في إنامتهم إبقاءً للحياة في أجسامهم وليس في إماتة الأحياء إبقاء لشيء من الحياة فيهم على كثرتهم وانتشارهم . وهذا تعريض بغفلة الذين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم بيان قصة أهل الكهف لاستعلام ما فيها من العجب ، بأنَهم سألوا عن عجيب وكفروا بما هو أعجب ، وهو انقراض العالم ، فإنهم كانوا يعرضون عن ذكر فناء العالم ويقولون : { ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر } [ الجاثية : 24 ] . أي إن الحياة إلا حياتنا الدنيا لا حياة الآخرة وأن الدهر يهلكنا وهو باقٍ .
وفيه لفت لعقول السائلين عن الاشتغال بعجائب القصص إلى أن الأولى لهم الاتعاظ بما فيها من العِبر والأسباب وآثارها . ولذلك ابتدىء ذكر أحوالهم بقوله : { إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشداً } [ الكهف : 10 ] فأعلم الناس بثبات إيمانهم بالله ورجائهم فيه ، وبقوله : { إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى } [ الكهف : 13 ] . الآيات الدالِّ على أنهم أبطلوا الشرك وسفهوا أهله تعريضاً بأن حق السامعين أن يقتدوا بهداهم .
والخطاب للنبيء . والمراد : قومه الذين سألوا عن القصة ، وأهل الكتاب الذين أغروهم بالسؤال عنها وتطلب بيانها . ويظهر أن الذين لقنوا قريشاً السؤال عن أهل الكهف هم بعض النصارى الذين لهم صلة بأهل مكة من التجار الواردين إلى مكة ؛ أو من الرهبان الذين في الأديرة الواقعة في طريق رحلة قريش من مكة إلى الشام وهي رحلة الصيف . ومحل التعجب هو قوله : من آياتنا } ، أي من بين آياتنا الكثيرة المشاهدة لهم وهم لا يتعجبون منها ويقصرون تعجبهم على أمثال هذه الخوارق ؛ فيؤول المعنى إلى أن أهل الكهف ليسوا هم العجب من بين الآيات الأخرى ، بل عجائب صنع الله تعالى كثيرة منها ما هو أعجب من حال أهل الكهف ومنها ما يساويها .
فمعنى ( مِن ) في قوله : { من آياتنا } التبعيض ، أي ليست قصة أهل الكهف منفردة بالعجب من بين الآيات الأخرى ، كما تقول : سأل فلاناً فهو العالم منا ، أي المنفرد بالعلم من بيننا .
ولك أن تجعلها للظرفية المجازية ، أي كانوا عجباً في آياتنا ، أي وبقية الآيات ليست عجباً . وهذا نداء على سوء نظرهم إذ يعلقون اهتمامهم بأشياء نادرة وبين يديهم من الأشياء ما هو أجدر بالاهتمام .
وأخبر عن أصحاب الكهف بالعجب وإنما العجب حالهم في قومهم ، فَثمّ مضاف محذوف يدل عليه الكلام .
وأخبر عن حالهم بالمصدر مبالغة ، والمراد عجيب .
والكهف : الشق المتسع الوسط في جبل ، فإن لم يكن متسعاً فهو غار .
والرقيم : فعيل بمعنى مفعول من الرقم وهو الكتابة . فالرقيم كتاب كان مع أصحاب الكهف في كهفهم . قيل : كتبوا فيه ما كانوا يدينون به من التوحيد ، وقيل : هو كتاب دينهم ، ديننٍ كان قبل عيسى عليه السلام ، وقيل : هو دين عيسى ، وقيل : كتبوا فيه الباعث الذي بعثهم على الالتجاء إلى الكهف فراراً من كفر قومهم .
وابتدأ القرآن من قصتهم بمحل العبرة الصادقة والقدوة الصالحة منه ، وهو التجاؤهم إلى ربهم واستجابته لهم .
وقد أشارت الآية إلى قصة نفَر من صالحي الأمم السالفة ثبتوا على دين الحق في وقت شيوع الكفر والباطل فانزووا إلى الخلوة تجنباً لمخالطة أهل الكفر فأووا إلى كهف استقروا فيه فراراً من الفتنة في دينهم ، فأكرمهم الله تعالى بأن ألقَى عليهم نوماً بقُوا فيه مدة طويلة ثم أيقظهم فأراهم انقراض الذين كانوا يخافونهم على دينهم . وبعد أن أيقنوا بذلك أعاد نومتهم الخارقة للعادة فأبقاهم أحياء إلى أمد يعلمه الله أو أماتهم وحفظ أجسادهم من البِلى كرامة لهم .
وقد عَرَف الناس خبرهم ولم يقفوا على أعيانهم ولا وقفوا على رقيمهم ، ولذلك اختلفوا في شأنهم ، فمنهم من يثبت وقوع قصتهم ومنهم من ينفيها .
ولما كانت معاني الآيات لا تتضح إلا بمعرفة ما أشارت إليه من قصة أهل الكهف تعين أن نذكر ما صح عند أعلام المؤرخين على ما فيه من اختلاف . وقد ذكر ابن عطية ملخصاً في ذلك دون تعريج على ما هو من زيادات المبالغين والقُصّاص .
والذي ذكره الأكثر أن في بلد يقال له ( أَبْسُس ) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وضم السين بعدها سين أخرى مهملة وكان بلداً من ثغور طرسوس بين حلب وبلاد أرمينية وأنطاكية .
وليست هي ( أفسس ) بالفاء أخت القاف المعروفة في بلاد اليونان بشهرة هيكل المشتري فيها فإنها من بلاد اليونان وإلى أهلها كتب بُولس رسالته المشهورة . وقد اشتبه ذلك على بعض المؤرخين والمفسرين . وهي قريبة من ( مَرْعش ) من بلاد أرمينية ، وكانت الديانة النصرانية دخلت في تلك الجهات ، وكان الغالب عليها دين عبادة الأصنام على الطريقة الرومية الشرقية قبل تنصر قسطنطين ، فكان من أهل ( أبسُس ) نفر من صالحي النصارى يقاومون عبادة الأصنام .
وكانوا في زمن الأنبراطور ( دوقيوس ) ويقال ( دقيانوس ) الذي ملك في حدود سنة 237 . وكان ملكه سنة واحدة . وكان متعصباً للديانة الرومانية وشديد البغض للنصرانيّة ، فأظهروا كراهية الديانة الرومانية . وتوعدهم دوقيوس بالتعذيب ، فاتفقوا على أن يخرجوا من المدينة إلى جبل بينه وبين المدينة فرسخان يقال له ( بنجلوس ) فيه كهف أووا إليه وانفردوا فيه بعبادة الله . ولما بلغ خبر فرارهم مسامع الملك وأنهم أووا إلى الكهف أرسل وراءهم فألقى الله عليهم نومةً فظنهم أتباعُ الملك أمواتاً . وقد قيل : إنه أمر أن تُسد فوهة كهفهم بحائط ، ولكن ذلك لم يتم فيما يظهر لأنه لو بني على فوهة كهفهم حائط لما أمكن خروج من انبعث منهم . ولعل الذي حال دون تنفيذ ما أمر به الملك أن مدته لم تطل في الملك إذ لم تزد مدته على عام واحد ، وقد بقوا في رقدتهم مدة طويلة قربها ابن العبري بمائتين وأربعين سنة ، وكان انبعاثهم في مدة مُلك ( ثاوذوسيوس ) فيصر الصغير ، وذكر القرآن أنها ثلاثمائة سنة .
ثم إن الله جعلهم آية لأنفسهم وللناس فبعثهم من مرقدهم ولم يعلموا مدة مكثهم وأرسلوا أحدهم إلى المدينة ، وهي ( أبسس ) ، بدراهم ليشتري لهم طعاماً . فعجب الناس من هيئته ومن دراهمه وعجب هو مما رأى من تغيير الأحوال . وتسامَع أهل المدينة بأمرهم ، فخرج قيصر الصغير مع أساقفةٍ وقسيسين وبطارقة إلى الكهف فنظروا إليهم وكلموهم وآمنوا بآيتهم ، ولما انصرفوا عنهم ماتوا في مواضعهم ، وكانت آية تأيّد بها دين المسيح .
والذي في « كتاب الطبري » أن الذين ذهبوا إلى مشاهدة أصحاب الكهف هم رئيسا المدينة ( أريوس ) و ( أطيوس ) ومن معهما من أهل المدينة ، وقيل لما شاهدهم الناس كتبَ واليا المدينة إلى ملك الروم ، فحضر وشاهدهم وأمر بأن يبنى عليهم مسجد . ولم يذكروا هَلْ نُفّذ بناء المسجد أو لم ينفذ . ولم يذكر أنه وقع العثور على هذا الكهف بعد ذلك . ولعله قد انهدم بحادث زلزال أو نحوه كرامة من الله لأصحابه ، وإن كانت الأخبار الزائفة عن تعيينه في مواضع من بلدان المسلمين في أقطار الأرض كثيرة . وفي جنوب القطر التونسي موضع يُدعى أنه الكهف . وفي مواضع أخرى من بادية القطر مشاهد يسمونها السبعة الرقود اعتقاداً بأن أهل الكهف كانوا سبعة . وستعلم مثار هذه التوهمات .
وفي « تفسير الألوسي » عن ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : غزونا مع معاوية غزو المَضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف . فقال معاوية : لو كُشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم ، فقال ابن عباس : ليس ذلك لك ، قد منع الله ذلك مَن هو خير منك ، فقال : { لو اطلعتَ عليهم لوليتَ منهم فراراً } [ الكهف : 18 ] فقال معاوية : لا أنتهي حتى أعلم علمهم فبعث رجالاً وقال : اذهبوا فادخلوا الكهف وانظروا ، فذهبوا فلما دخلوه بعث الله عليهم ريحاً فأخرجتهم . وروى عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عكرمة : أن ابن عباس غزا مع حبيب بن مسلمة فمروا بالكهف فإذا فيه عظام . فقال رجل : هذه عظام أهل الكهف . فقال ابن عباس : لقد ذهبت عظامهم منذ أكثر من ثلاثمائة سنة .
وفي « تفسير الفخر » عن القفال عن محمد بن موسى الخوارزمي المنجم : « أن الواثق أنفذه ليعرف حال أصحاب الكهف ، فسافر إلى الروم فوجه ملك الروم معه أقواماً إلى الموضع الذي يقال إنهم فيه ، قال : وإن الرجل الموكل بذلك الموضع فزعني من الدخول عليهم ، قال : فدخلت ورأيت الشعور على صدورهم ، قال : وعرفت أنه تمويه واحتيال ، وأن الناس كانوا قد عالجوا تلك الجثث بالأدوية المجففة لأبدان الموتى لتصونها عن البلى مثل التلطيخ بالصبر وغيره » ا هـ .
وقوله : ( فسافر إلى الروم ) مبني على اعتقادهم أن الكهف كان حول مدينة ( أفسوس ) بالفاء أخت القاف وهو وهم حصل من تشابه اسمي البلدين كما نبهنا عليه آنفاً ، فإن بلد ( أفسس ) في زمن الواثق لا تزال في حكم قياصرة الروم بالقسطنطينية ، ولذلك قال بعض المؤرخين : إن قيصر الروم لما بلغته بعثة الجماعة الذين وجههم الخليفة الواثق ، أمر بأن يجعل دليل في رفقة البعثة ليسهل لهم ما يحتاجونه ، أما مدينة ( أبسس ) بالباء الموحدة فقد كانت حينئذٍ من جملة مملكة الإسلام .
قال ابن عطية : « وبالأندلس في جهة ( أغرناطة ) بقرب قرية تسمى ( لُوشة ) كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة ، وأكثرهم قد انجرد لحمه وبعضهم متماسك ، وقد مضت القرون السالفة ولم نجدْ مِن علم شأنهم أثارةً ، ويزعم الناس أنهم أصحاب الكهف ، دخلت إليهم ورأيتُهم سنة أربع وخمسمائة ، وهم بهذه الحال وعليهم مسجد وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم كأنه قصر محلق ( كذا بحاء مهملة لعله بمعنى مستدير كالحلقة ) وقد بقي بعض جدرانه وهو في فلاة من الأرض حَزنة ، وبأعلى حَضرة ( أغرناطة ) مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة رومية يقال لها مدينة ( دقيوس ) وجدنا في آثارها غرائب في قبورها ونحوها » ا هـ .
وقصة أهل الكهف لها اتصال بتاريخ طور كبير من أطوار ظهور الأديان الحق ، وبخاصة طور انتشار النصرانية في الأرض .
وللكهوف ذكر شائع في اللوْذ إليها والدفن بها .
وقد كان المتنصرون يُضطهدون في البلاد فكانوا يفرون من المدن والقرى إلى الكهوف يتخذونها مساكن فإذا مات أحدهم دفن هنالك ، وربما كانوا إذا قتلوهم وضعوهم في الكهوف التي كانوا يتعبدون فيها . ولذلك يوجد في رومية كهف عظيم من هذه الكهوف اتخذه النصارى لأنفسهم هنالك ، وكانوا كثيراً ما يستصحبون معهم كلباً ليدفع عنهم الوحوش من ذئاب ونحوها .
وما الكهف الذي ذكره ابن عطية إلا واحد من هذه الكهوف .
غير أن ما ذكر في سبب نزول السورة من علم اليهود بأهل الكهف ، وجعلهم العلم بأمرهم أمارة على نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم يبعد أن يكون أهل الكهف هؤلاء من أهل الدين المسيحي فإن اليهود يتجافون عن كل خبر فيه ذكر للمسيحية ، فيحتمل أن بعض اليهود أووا إلى بعض الكهوف في الاضطهادات التي أصابت اليهود وكانوا يأوون إلى الكهوف . ويوجد مكان بأرض سُكرة قرب المرسى من أحواز تونس فيه كهوف صناعية حقق لي بعض علماء الآثار من الرهبان النصارى بتونس أنها كانت مخابىء لليهود يختفون فيها من اضطهاد الرومان القرطاجنيين لهم .
ويجوز أن يكون لأهل كلتا الملتين اليهودية والنصرانية خبراً عن قوم من صالحيهم عرفوا بأهل الكهف أو كانوا جماعة واحدة ادعى أهل كلتا الملتين خبرها لصالحي ملته ، وبُني على ذلك اختلاف في تسمية البلاد التي كان بها كهفهم .
قال السهيلي في « الروض الأنف » : وأصحاب الكهف من أمة عجمية والنصارى يعرفون حديثهم ويؤرخون به ا هـ . وقد تقدم طرف من هذا عند تفسير قوله تعالى : { ويسألونك عن الروح } في سورة الإسراء ( 85 ) .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا، فإن ما خلقت من السماوات والأرض، وما فيهنّ من العجائب أعجب من أمر أصحاب الكهف، وحجتي بكل ذلك ثابتة على هؤلاء المشركين من قومك، وغيرهم من سائر عبادي...
عن قتادة، قوله: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) يقول: قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عَجَبا، فإن الذي آتيتك من العلم والحكمة أفضل منه...
وإنما قلنا: إن القول الأول أولى بتأويل الآية، لأنّ الله عزّ وجلّ أنزل قصة أصحاب الكهف على نبيه احتجاجا بها على المشركين من قومه... إذ سألوه عنها اختبارا منهم له بالجواب عنها صدقه، فكان تقريعهم بتكذيبهم بما هو أوكد عليهم في الحجة مما سألوا عنهم، وزعموا أنهم يؤمنون عند الإجابة عنه أشبه من الخبر عما أنعم الله على رسوله من النعم.
وأما الكهف، فإنه كهف الجبل الذي أوى إليه القوم الذين قصّ الله شأنهم في هذه السورة.
وأما الرقيم، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به؛
فقال بعضهم: هو اسم قرية، أو واد على اختلاف بينهم في ذلك...
عن سعيد بن جبير، قال: الرقيم: لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف، ثم وضعوه على باب الكهف...
وقال آخرون: بل هو اسم جبل أصحاب الكهف...
وأولى هذه الأقوال بالصواب في الرقيم أن يكون معنيا به: لوح، أو حجر، أو شيء كُتب فيه كتاب، وقد قال أهل الأخبار: إن ذلك لوح كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وخبرهم حين أوَوْا إلى الكهف...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
... يقال مكثوا في الكهف مدةً فأضافهم إلى مُسْتَقَرِّهم فقال: {أَصْحَابَ الكَهْفِ}، وللنفوس مَحَالٌ، وللقلوب مَقَارٌّ، وللهمم مَجَال، وحيثما يعتكف يُطْلَبُ أبداً صاحبه. ويقال الإشارة فيه ألا تَتَعَجَّبَ من قصتهم؛ فحالُكَ أعجبُ في ذهابك إلينا في شطر من الليل حتى قاب قوسين أو أدنى، وهم قد بقوا في الكهف سنين...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
وأما أسماء فتية أهل الكهف فأعجمية لا تنضبط بشكل ولا نقط، والسند في معرفتها ضعيف والرواة مختلفون في قصصهم وكيف كان اجتماعهم وخروجهم، ولم يأت في الحديث الصحيح كيفية ذلك ولا في القرآن إلاّ ما قص تعالى علينا من قصصهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان هذا من العجائب التي تضاءل عندها العجائب، والغرائب التي تخضع لديها الغرائب، وإن صارت مألوفة بكثرة التكرار، والتجلي على الأبصار، هذا إلى ما له من الآيات التي تزيد على العد، ولا يحصر بحد، من خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر والكواكب -وغير ذلك، حقر آية أصحاب الكهف- وإن كانت من أعجب العجب -لاضمحلالها في جنب ذلك، لأن الشيء إذا كان كذلك كثر ألفه فلم يعد عجباً، فنبه على ذلك بقوله تعالى عطفاً على ما تقديره: أعلمت أن هذا وغيره من عجائب قدرتنا؟: {أم حسبت} على ما لك من العقل الرزين والرأي الرصين {أن أصحاب الكهف} أي الغار الواسع المنقور في الجبل كالبيت {والرقيم} أي القرية أو الجبل {كانوا} هم فقط {من ءاياتنا عجباً} على ما لزم من تهويل السائلين من الكفرة من اليهود والعرب، والواقع أنهم- وإن كانوا من العجائب -ليسوا بعجب بالنسبة إلى كثرة آياتنا، وبالنسبة إلى هذا العجب النباتي الذي أعرضتم عنه بإلفكم له من كثرة تكرره فيكم، فإنه سبحانه أخرج نبات الأرض على تباين أجناسه، واختلاف ألوانه وأنواعه، وتضاد طبائعه، من مادة واحدة، يهتز بالينبوع، يبهج الناظرين ويروق المتأملين، ثم يوقفه ثم يرده باليبس والتفرق إلى التراب فيختلط به حتى لا يميزه عن بقية التراب، ثم يرسل الماء فيختلط بالتراب فيجمعه فيخرج أخضر يانعاً يهتز بالنمو على أحسن ما كان، وهكذا كل سنة، فهذا بلا شك أعجب حالاً ممن حفظت أجسامهم مدة عن التغير ثم ردت أرواحهم فيها، وقد كان في سالف الدهر يعمر بعض الناس أكثر من مقدار ما لبثوا...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
... {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا} أي لا تحسب أن قصة أصحاب الكهف والرقيم المذكورة في الكتب السالفة حين استمروا أحياء أمدا طويلا – عجيبة بالإضافة إلى ما جعلناه على ظهر الأرض من الزينة، فليست هي بالعجب وحدها من بين آياتنا، بل زينة الأرض وعجائبها أبدع وأعجب من قصة أصحاب الكهف، فإذا وقف علماء الأديان الأخرى لدى أمثالها دهشين حائرين، فأنا أدعوك وأمتك إلى ما هو أعظم منها، وهو النظر في الكون وعجائبه، من خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر والكواكب، إلى نحو أولئك من الآيات الدالة على قدرة الله، وأن يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه.
أما القصص وغرائبها فلا تكفي للوصول إلى أبواب الخير والسعادة التي يطمح إليها الإنسان، ويجعلها مثله العليا، ليفوز بخيري الدنيا والآخرة، فابحث عما نقش في صحائف الأكوان، لا في صحائف الكهوف والغيران...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وظيفة المؤمن التفكر بجميع آيات الله، التي دعا الله العباد إلى التفكير فيها، فإنها مفتاح الإيمان، وطريق العلم والإيقان...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم تجيء قصة أصحاب الكهف، فتعرض نموذجا للإيمان في النفوس المؤمنة.
كيف تطمئن به، وتؤثره على زينة الأرض ومتاعها، وتلجأ به إلى الكهف حين يعز عليها أن تعيش به مع الناس. وكيف يرعى الله هذه النفوس المؤمنة، ويقيها الفتنة، ويشملها بالرحمة.
وفي القصة روايات شتى، وأقاويل كثيرة. فقد وردت في بعض الكتب القديمة وفي الأساطير بصور شتى. ونحن نقف فيها عند حد ما جاء في القرآن، فهو المصدر الوحيد المستيقن. ونطرح سائر الروايات والأساطير التي اندست في التفاسير بلا سند صحيح. وبخاصة أن القرآن الكريم قد نهى عن استفتاء غير القرآن فيها، وعن المراء فيها والجدل رجما بالغيب.
وقد ورد في سبب نزولها ونزول قصة ذي القرنين أن اليهود أغروا أهل مكة بسؤال الرسول [صلى الله عليهوسلم] عنهما وعن الروح. أو أن أهل مكة طلبوا إلى اليهود أن يصوغوا لهم أسئلة يختبرون بها الرسول [صلى الله عليهوسلم] وقد يكون هذا كله أو بعضه صحيحا. فقد جاء في أول قصة ذي القرنين: (ويسألونك عن ذي القرنين. قل:سأتلو عليكم منه ذكرا) ولكن لم تجئ عن قصة أصحاب الكهف مثل هذه الإشارة، فنحن نمضي في القصة لذاتها وهي واضحة الارتباط بمحور السورة كما بينا.
إن الطريقة التي اتبعت في عرض هذه القصة من الناحية الفنية هي طريقة التلخيص الإجمالي أولا، ثم العرض التفصيلي أخيرا، وهي تعرض في مشاهد وتترك بين المشاهد فجوات يعرف ما فيها من السياق، وهي تبدأ هكذا:
(أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا. إذ أوى الفتية إلى الكهف، فقالوا: ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيء لنا من أمرنا رشدا. فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا، ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا).
وهي تلخيص يجمل القصة، ويرسم خطوطها الرئيسية العريضة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
(أم) للإضراب الانتقالي من غرض إلى غرض. ولما كان هذا من المقاصد التي أنزلت السورة لبيانها لم يكن هذا الانتقال اقتضاباً بل هو كالانتقال من الديباجة والمقدمة إلى المقصود.
على أن مناسبة الانتقال إليه تتصل بقوله تعالى: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً} [الكهف: 6]، إذ كان مما صرف المشركين عن الإيمان إحالتهم الإحياء بعد الموت، فكان ذكر أهل الكهف وبعثِهم بعد خمودهم سنين طويلة مثالاً لإمكان البعث.
و {أم} هذه هي (أم) المنقطعة بمعنى (بل)، وهي ملازمة لتقدير الاستفهام معها، يقدر بعدها حرف استفهام، وقد يكون ظاهراً بعدها...
والاستفهام المقدر بعد (أم) تعجيبي...
والتقدير هنا: أحسبت أن أصحاب الكهف كانوا عجباً من بين آياتنا، أي أعجب من بقية آياتنا، فإن إماتة الأحياء بعد حياتهم أعظم من عجب إنامة أهل الكهف. لأن في إنامتهم إبقاءً للحياة في أجسامهم وليس في إماتة الأحياء إبقاء لشيء من الحياة فيهم على كثرتهم وانتشارهم. وهذا تعريض بغفلة الذين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم بيان قصة أهل الكهف لاستعلام ما فيها من العجب، بأنهم سألوا عن عجيب وكفروا بما هو أعجب، وهو انقراض العالم، فإنهم كانوا يعرضون عن ذكر فناء العالم ويقولون: {ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية: 24]. أي إن الحياة إلا حياتنا الدنيا لا حياة الآخرة وأن الدهر يهلكنا وهو باقٍ.
وفيه لفت لعقول السائلين عن الاشتغال بعجائب القصص إلى أن الأولى لهم الاتعاظ بما فيها من العِبر والأسباب وآثارها. ولذلك ابتدئ ذكر أحوالهم بقوله: {إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً} [الكهف: 10] فأعلم الناس بثبات إيمانهم بالله ورجائهم فيه، وبقوله: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى} [الكهف: 13]. الآيات الدالِّ على أنهم أبطلوا الشرك وسفهوا أهله تعريضاً بأن حق السامعين أن يقتدوا بهداهم.
والخطاب للنبيء. والمراد: قومه الذين سألوا عن القصة، وأهل الكتاب الذين أغروهم بالسؤال عنها وتطلب بيانها. ويظهر أن الذين لقنوا قريشاً السؤال عن أهل الكهف هم بعض النصارى الذين لهم صلة بأهل مكة من التجار الواردين إلى مكة؛ أو من الرهبان الذين في الأديرة الواقعة في طريق رحلة قريش من مكة إلى الشام وهي رحلة الصيف. ومحل التعجب هو قوله: من آياتنا}، أي من بين آياتنا الكثيرة المشاهدة لهم وهم لا يتعجبون منها ويقصرون تعجبهم على أمثال هذه الخوارق؛ فيؤول المعنى إلى أن أهل الكهف ليسوا هم العجب من بين الآيات الأخرى، بل عجائب صنع الله تعالى كثيرة منها ما هو أعجب من حال أهل الكهف ومنها ما يساويها.
فمعنى (مِن) في قوله: {من آياتنا} التبعيض، أي ليست قصة أهل الكهف منفردة بالعجب من بين الآيات الأخرى، كما تقول: سأل فلاناً فهو العالم منا، أي المنفرد بالعلم من بيننا.
ولك أن تجعلها للظرفية المجازية، أي كانوا عجباً في آياتنا، أي وبقية الآيات ليست عجباً. وهذا نداء على سوء نظرهم إذ يعلقون اهتمامهم بأشياء نادرة وبين يديهم من الأشياء ما هو أجدر بالاهتمام.
وأخبر عن أصحاب الكهف بالعجب وإنما العجب حالهم في قومهم، فَثمّ مضاف محذوف يدل عليه الكلام.
وأخبر عن حالهم بالمصدر مبالغة، والمراد عجيب.
والكهف: الشق المتسع الوسط في جبل، فإن لم يكن متسعاً فهو غار.
والرقيم: فعيل بمعنى مفعول من الرقم وهو الكتابة. فالرقيم كتاب كان مع أصحاب الكهف في كهفهم. قيل: كتبوا فيه ما كانوا يدينون به من التوحيد، وقيل: هو كتاب دينهم، ديننٍ كان قبل عيسى عليه السلام، وقيل: هو دين عيسى، وقيل: كتبوا فيه الباعث الذي بعثهم على الالتجاء إلى الكهف فراراً من كفر قومهم.
وابتدأ القرآن من قصتهم بمحل العبرة الصادقة والقدوة الصالحة منه، وهو التجاؤهم إلى ربهم واستجابته لهم.
وقد أشارت الآية إلى قصة نفَر من صالحي الأمم السالفة ثبتوا على دين الحق في وقت شيوع الكفر والباطل فانزووا إلى الخلوة تجنباً لمخالطة أهل الكفر فأووا إلى كهف استقروا فيه فراراً من الفتنة في دينهم، فأكرمهم الله تعالى بأن ألقَى عليهم نوماً بقُوا فيه مدة طويلة ثم أيقظهم فأراهم انقراض الذين كانوا يخافونهم على دينهم. وبعد أن أيقنوا بذلك أعاد نومتهم الخارقة للعادة فأبقاهم أحياء إلى أمد يعلمه الله أو أماتهم وحفظ أجسادهم من البِلى كرامة لهم.
وقد عَرَف الناس خبرهم ولم يقفوا على أعيانهم ولا وقفوا على رقيمهم، ولذلك اختلفوا في شأنهم...
وقصة أهل الكهف لها اتصال بتاريخ طور كبير من أطوار ظهور الأديان الحق، وبخاصة طور انتشار النصرانية في الأرض.
وللكهوف ذكر شائع في اللوْذ إليها والدفن بها.
وقد كان المتنصرون يُضطهدون في البلاد فكانوا يفرون من المدن والقرى إلى الكهوف يتخذونها مساكن فإذا مات أحدهم دفن هنالك، وربما كانوا إذا قتلوهم وضعوهم في الكهوف التي كانوا يتعبدون فيها. ولذلك يوجد في رومية كهف عظيم من هذه الكهوف اتخذه النصارى لأنفسهم هنالك، وكانوا كثيراً ما يستصحبون معهم كلباً ليدفع عنهم الوحوش من ذئاب ونحوها...
غير أن ما ذكر في سبب نزول السورة من علم اليهود بأهل الكهف، وجعلهم العلم بأمرهم أمارة على نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم يبعد أن يكون أهل الكهف هؤلاء من أهل الدين المسيحي فإن اليهود يتجافون عن كل خبر فيه ذكر للمسيحية، فيحتمل أن بعض اليهود أووا إلى بعض الكهوف في الاضطهادات التي أصابت اليهود وكانوا يأوون إلى الكهوف...
ويجوز أن يكون لأهل كلتا الملتين اليهودية والنصرانية خبراً عن قوم من صالحيهم عرفوا بأهل الكهف أو كانوا جماعة واحدة ادعى أهل كلتا الملتين خبرها لصالحي ملته، وبُني على ذلك اختلاف في تسمية البلاد التي كان بها كهفهم.
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
والظاهر أن أصحاب الكهف والرقيم: طائفة واحدة أضيفت إلى شيئين: أحدهما معطوف على الآخر، خلافاً لمن قال: إن أصحاب الكهف طائفة، وأصحاب الرقيم طائفة أخرى وأن الله قص على نبيه في هذه السورة الكريمة قصة أصحاب الكهف ولم يذكر له شيئاً عن أصحاب الرقيم: وخلافاً لمن زعم أن أصحاب الكهف هم الثلاثة الذين سقطت عليهم صخرة فسدت عليهم باب الكهف الذي هم فيه، فدعوا الله بأعمالهم الصالحة: وهم البار بوالديه، والعفيف، والمستأجر، وقصتهم مشهورة ثابتة في الصحيح، إلا أن تفسير الآية بأنهم هم المراد بعيد كما ترى. واعلم أن قصة أصحاب الكهف وأسماءهم، وفي أي محل من الأرض كانوا كل ذلك لم يثبت فيه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم شيء زائد على ما في القرآن، وللمفسرين في ذلك أخبار كثيرة إسرائيلية أعرضنا عن ذكرها لعدم الثقة بها.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
تصدى القرآن الكريم لبيان أهل الكهف بما لم يتصد به كتاب مقدس، ولا نريد أن نخوض في أمر لم يخض فيه القرآن فلا نريد أن نرجم بالغيب، ولا أن نسير وراء الظنون، والقرآن ليس كتاب تاريخ ولكنه كتاب عظة واعتبار، وكل ما فيه صدق لا مجال للريب فيه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
... في الآيات السابقة كانت هُناك صورة للحياة الدينا، وكيفية اختبار الناس فيها، ومسير حياتهم عليها، ولأنَّ القرآن غالباً ما يقوم بضرب الأمثلة للقضايا الحسَّاسة، أو أنَّهُ يذكر نماذج مِن التأريخ لتجسيد الوعي بالقضية، لذا قام في هذه السورة بتوضيح قصّة أصحاب الكهف، وعبرَّت عنهم الآيات بأنّهم (أنموذج) أو (أسوة).
إِنّهم مجموعة من الفتية الأذكياء المؤمنين، الذين كانوا يعيشون في ظل حياة مُترفة بالزّينة وأنواع النعم، إِلاَّ أنّهم انسلخوا مِن كل ذلك لأجل حفظ عقيدتهم وللصراع ضدَّ الطاغوت؛ طاغوت زمانهم، وذهبوا إلى غار خال مِن جميع أشكال الزّينة والنعم، وقد أثبتوا بهذا المسلك أمر استقامتهم في سبيل الإِيمان والثبات عليه...