جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنۡ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا} (9)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَمْ حَسِبْتَ أَنّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عَجَبا ، فإن ما خلقت من السموات والأرض ، وما فيهنّ من العجائب أعجب من أمر أصحاب الكهف ، وحجتي بكل ذلك ثابتة على هؤلاء المشركين من قومك ، وغيرهم من سائر عبادي . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أمْ حَسِبْتَ أنّ أصحَابَ الكَهْفِ والرّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَبا قال محمد بن عمرو في حديثه ، قال : ليسوا عجبا بأعجب آياتنا . وقال الحارث في حديثه بقولهم : أعجب آياتنا : ليسوا أعجب آياتنا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : أمْ حَسِبْتَ أنّ أصْحَابَ الكَهْفِ والرّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَبا كانوا يقولون هم عجب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أمْ حَسِبْتَ أنّ أصحَابَ الكَهْفِ والرّقِيمِ كانْوا مِنْ آياتِنا عَجَبا يقول : قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق أمْ حَسِبْتَ أنّ أصحَابَ الكَهْفِ والرّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَبا . أي وما قدروا من قَدْر فيما صنعت من أمر الخلائق ، وما وضعت على العباد من حججي ما هو أعظم من ذلك .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عَجَبا ، فإن الذين آتيتك من العلم والحكمة أفضل منه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : أمْ حَسِبْتَ أنّ أصحَابَ الكَهْفِ والرّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَبا يقول : الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم .

وإنما قلنا : إن القول الأوّل أولى بتأويل الاَية ، لأنّ الله عزّ وجلّ أنزل قصة أصحاب الكهف على نبيه احتجاجا بها على المشركين من قومه على ما ذكرنا في الرواية عن ابن عباس ، إذ سألوه عنها اختبارا منهم له بالجواب عنها صدقه ، فكان تقريعهم بتكذيبهم بما هو أوكد عليهم في الحجة مما سألوا عنهم ، وزعموا أنهم يؤمنون عند الإجابة عنه أشبه من الخبر عما أنعم الله على رسوله من النعم .

وأما الكهف ، فإنه كهف الجبل الذي أوى إليه القوم الذين قصّ الله شأنهم في هذه السورة .

وأما الرقيم ، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنىّ به ، فقال بعضهم : هو اسم قرية ، أو واد على اختلاف بينهم في ذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الأعلى وعبد الرحمن ، قالا : حدثنا سفيان ، عن الشيبانيّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : يزعم كعب أن الرقيم : القرية .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس أمْ حَسِبْتَ أنّ أصحَابَ الكَهْفِ والرّقِيمِ قال : الرقيم : واد بين عُسْفان وأَيلة دون فلسطين ، وهو قريب من أيلة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبي ، عن عطية ، قال : الرقيم : واد .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أمْ حَسِبْتَ أنّ أصحَابَ الكَهْفِ والرّقِيمِ كنّا نحدّث أن الرقيم : الوادي الذي فيه أصحاب الكهف .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن سمِاك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله الرّقِيمِ قال : يزعم كعب : أنها القرية .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قوله : الرّقِيمِ قال : يقول بعضهم : الرقيم : كتاب تبانهم . ويقول بعضهم : هو الوادي الذي فيه كهفهم .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : أما الكهف : فهو غار الوادي ، والرقيم : اسم الوادي .

وقال آخرون : الرقيم : الكتاب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أمْ حَسِبْتَ أنّ أصحَابَ الكهْفِ والرّقِيمِ يقول : الكتاب .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا أبي ، عن ابن قيس ، عن سعيد بن جبير ، قال : الرقيم : لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف ، ثم وضعوه على باب الكهف .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الرقيم : كتاب ، ولذلك الكتاب خبر فلم يخبر الله عن ذلك الكتاب وعما فيه ، وقرأ : وَما أدْرَاكَ ما عِلّيّونَ كِتِابٌ مرْقُومٌ يَشْهدُهُ المُقَرّبُون وَما أدْرَاكَ ما سِجّينٌ كتابٌ مرْقُومٌ .

وقال آخرون : بل هو اسم جبل أصحاب الكهف . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : الرقيم : الجبل الذي فيه الكهف .

قال أبو جعفر : وقد قيل إن اسم ذلك الجبل : بنجلوس .

حدثنا بذلك ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : وقد قيل : إن اسمه بناجلوس .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني وهب بن سليمان عن شعيب الجَبِئي أن اسم جبل الكهف : بناجلوس . واسم الكهف : حيزم . والكلب : خُمران . وقد رُوي عن ابن عباس في الرقيم ما :

حدثنا به الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كلّ القرآن أعلمه ، إلا حنانا ، والأوّاه ، والرقيم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، أنه سمع عكرمة يقول : قال ابن عباس : ما أدري ما الرقيم ، أكتاب ، أم بنيان ؟ .

وأولى هذه الأقوال بالصواب في الرقيم أن يكون معنيا به : لوح ، أو حجر ، أو شيء كُتب فيه كتاب . وقد قال أهل الأخبار : إن ذلك لوح كُتب فيه أسماء أصحاب الكهف وخبرهم حين أوَوْا إلى الكهف . ثم قال بعضهم : رُفع ذلك اللوح في خزانة الملك . وقال بعضهم : بل جُعل على باب كهفهم . وقال بعضهم : بل كان ذلك محفوظا عند بعض أهل بلدهم . وإنما الرقم : فعيل . أصله : مرقوم ، ثم صُرف إلى فعيل ، كما قيل للمجروح : جريح ، وللمقتول : قتيل ، يقال منه : رقمت كذا وكذا : إذا كتبته ، ومنه قيل للرقم في الثوب رقم ، لأنه الخطّ الذي يعرف به ثمنه . ومن ذلك قيل للحيّة : أرقم ، لما فيه من الاَثار والعرب تقول : عليك بالرقمة ، ودع الضفة : بمعنى عليك برقمة الوادي حيث الماء ، ودع الضفة الجانبة . والضفتان : جانبا الوادي . وأحسب أن الذي قال الرقيم : الوادي ، ذهب به إلى هذا ، أعني به إلى رقمة الوادي .