بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنۡ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا} (9)

{ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أصحاب الكهف } ، أي غار في الجبل { والرقيم } الكتاب ؛ وقال قتادة : دراهمهم ؛ وقال عكرمة ، عن ابن عباس قال : كل القرآن أعلمه إلا أربعة غسلين ، وحنان ، والأواه ، والرقيم ، وقال القتبي : الرقيم لوح كتب فيه خبر أصحاب الكهف ، ونصب على باب الكهف ؛ والرقيم الكتاب وهو فعيل بمعنى مفعول «وبِهِ كِتَابٌ مَرْقُومٌ » أي مكتوب ؛ وقال الزجاج : هو اسم الجبل الذي فيه الكهف ؛ وقال كعب الأحبار : { الرَّقِيمُ } اسم القرية .

روي عن ابن عباس أن قريشاً اجتمعوا وكان فيهم الوليد بن المغيرة ، والعاصي بن وائل السهمي ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية وأبي أبناء خلف والأسود بن عبد المطلب ، وسائر قريش ، فبعثوا منهم خمسة رهط إلى يهود يثرب أي يهود المدينة فسألوهم عن محمد وعن أمره وصفته ، وأنه خرج من بين أظهرنا ويزعم أنه نبي مرسل ، واسمه محمد ، وهو فقير يتيم . فلما قدموا المدينة ، أتوا أحبارهم وعلماءهم ، فوجدوهم قد اجتمعوا في عيد لهم ، فسألوهم عنه ؛ ووصفوا لهم صفته فقالوا لهم : نجده في التوراة كما وصفتموه لنا ، وهذا زمانه . ولكن سلوه عن ثلاث خصال ؛ فإن أخبركم بخصلتين ولم يخبركم بالثالثة ، فاعلموا أنه نبي فاتبعوه ؛ فإنا قد سألنا مسيلمة الكذاب عن هؤلاء ، فلم يدر ما هن ، وقد زعمتم أنه يتعلم من مسيلمة الكذاب . سلوه عن أصحاب الكهف ، أي قصوا عليه أمرهم ؛ وسلوه عن ذي القرنين أن كان ملكاً وكان أمره كذا وكذا ؛ وسلوه عن الروح : فإن أخبركم عن قليل أو كثير فهو كاذب .

ففرحوا بذلك ، فلما رجعوا وأخبروا أبا جهل ، ففرح وأتوه ، فقال أبو جهل : إنا سائلون عن ثلاث خصال . فسألوه عن ذلك ، فقال لهم : " ارجعوا غداً أخبركم " ، ولم يقل : إن شاء الله . فرجعوا ولم ينزل عليه جبريل إلى ثلاثة أيام وفي رواية الكلبي إلى خمسة عشر يوماً ، وفي رواية الضحاك إلى أربعين يوماً فجعلت قريش تقول : يزعم محمد أنه يخبرنا غداً بما سألناه ، وقد مضى كذا وكذا يوماً ؛ فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثم أتاه جبريل ، فقال لجبريل : لقد علمت ما سألني عنه قومي ، فلم أبطأت علي ؟ فقال : أنا عبد مثلك { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلك وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } [ مريم : 64 ] ؛ وقال : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذلك غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّى لاًّقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا } [ الكهف : 23/24 ] . وكان المشركون يقولون : إن ربه قد ودعه وأبغضه ، فنزل : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى } [ الضحى : 3 ] ونزل : { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أصحاب الكهف والرقيم } { كَانُواْ مِنْ ءاياتنا عَجَبًا } . فلما قرأ عليهم ، قالوا : هذان ساحران ، يعني : محمداً وموسى عليهما السلام ولم يصدقوه .

وقوله : { عَجَبًا } يقول هم عجب ، وأمرهم أعجب ، وغيرهم مما خلقت أعجب منهم ، الشمس والقمر والجبال والسموات والأرض أعجب منهم .