تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنۡ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا} (9)

{ أم حسبت أن أصحاب الكهف } ، والكهف ثقب يكون في الجبل كهيئة الغار ، واسمه : بانجلوس ، { والرقيم } ، كتاب كتيه رجلان قاضيان صالحان ، أحدهما ماتوس ، والآخر أسطوس ، كانا يكتمان إيمانهما ، وكانا في منزل دقيوس الجبار ، وهو الملك الذي فر منه الفتية ، وكتبا أمر الفتية في لوح من رصاص ، ثم جعلاه في تابوت من نحاس ، ثم جعلاه في البناء الذي سدوا به باب الكهف ، فقال : لعل الله عز وجل أن يطلع على هؤلاء الفتية ، ليعلموا إذا قرأوا الكتاب ، قال سبحانه : { كانوا من ءاياتنا عجبا } آية . يقول سبحانه : أوحينا إليك من أمر الأمم الخالية ، وعلمناك من أمر الخلق ، وأمر ما كان ، وأمر ما يكون قبل أصحاب الكهف ، فهو أعجب من أصحاب الكهف ، وليس أصحاب الكهف بأعجب مما أوحينا إليك ، { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم } ، يعنى بالرقيم الكتاب الذي كتبه القاضيان ، مثل قوله عز وجل : { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم } [ المطففين :7-9 ] يعنى كتاب مكتوب ، { كانوا من ءاياتنا عجبا } ، يخبره به .

وذلك أن أبا جهل قال لقريش : ابعثوا نفرا منكم إلى يهود يثرب ، فيسألونهم عن صاحبكم أنبي هو أم كذاب ؟ فإنا نرى أن ننصرف عنه ، فبعثوا خمسة نفر ، منهم : النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط ، فلما قدموا المدينة ، قالوا لليهود : أتيناكم لأمر حدث فينا لا يزداد إلا نماء ، وإنا له كارهون ، وقد خفنا أن يفسد علينا ديننا ، ويلبس علينا أمرنا ، وهو حقير فقير يتيم ، يدعو إلى الرحمن ، ولا نعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب ، وقد علمتم أنه لم يأمر قط إلا بالفساد والقتال ، ويأتيه بذلك زعم جبريل ، عليه السلام ، وهو عدو لكم ، فأخبرونا هل تجدونه في كتابكم ؟ .

قالوا : نجد نعته كما تقولون ، قالوا : إن في قومه من هو أشرف منه ، وأكبر سنا ، فلا نصدقه ، قالوا : نجد قومه أشد الناس عليه ، وهذا زمانه الذي يخرج فيه ، قالوا : إنما يعلمه الكذاب مسيلمة ، فحدثونا بأشياء تسأله عنها لا يعلمها مسيلمة ، ولا يعلمها إلا نبي ، قالوا : سلوه عن ثلاث خصال ، فإن أصابهن فهو نبي ، وإلا فهو كذاب ، سلوه عن أصحاب الكهف ، فقصوا عليهم أمرهم ، وسلوه عن ذي القرنين ، فإنه كان ملكا ، وكان أمره كذا وكذا ، وسلوه عن الروح ، فإن أخبركم عنه بقليل أو كثير ، فهو كذاب ، فقصوا عليهم ، فرجعوا بذلك وأعجبهم .

فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو جهل : يا ابن عبد المطلب ، إنا سائلوك عن ثلاث خصال ، فإن علمتهن فأنت صادق ، وإلا فأنت كاذب ، فذر ذكر آلهتنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ما هن ؟ سلوني عما شئتم" ، قالوا : نسألك عن أصحاب الكهف ، فقد أخبرنا عنهم ، ونسأل عن ذي القرنين ، فقد أخبرنا عنه بالعجب ، ونسألك عن الروح ، فقد ذكر لنا من أمره عجب ، فإن علمتهن ، فأنت معذور ، وإن جهلتهن ، فأنت مغرور مسحور ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : "ارجعوا إلى غدا أخبركم" ، ولم يستثن ، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث أيام .

ثم أتاه جبريل ، عليه السلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "يا جبريل ، إن القوم سألوني عن ثلاث خصال" فقال جبريل ، عليه السلام : بهن أتيتك ، إن الله عز وجل يقول : { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من ءاياتنا عجبا } .