البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنۡ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا} (9)

الكهف النقب المتسع في الجبل فإن لم يك واسعاً فهو غار . وقال ابن الأنباري . حكى اللغويون أنه بمنزلة الغار في الجبل . الرقيم : فعيل من رقم إما بمعنى مفعول وإما بمعنى فاعل ، ويأتي إن شاء الله الاختلاف في المراد به عن المفسرين . فأما قول أمية بن أبي الصلت :

وليس بها إلاّ الرقيم مجاورا  *** وصيدهم والقوم في الكهف همد

فعني به كلبهم .

{ أم } هنا هي المنقطعة فتتقدر ببل والهمزة .

قيل : للإضراب عن الكلام الأول بمعنى الانتقال من كلام إلى آخر لا بمعنى الإبطال ، والهمزة للاستفهام .

وزعم بعض النحويين أن { أم } هنا بمعنى الهمزة فقط ، والظاهر في { أم حسبت } أنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم .

فقال مجاهد : لم ينهه عن التعجب وإنما أراد كل آياتنا كذلك .

وقال قتادة : لا يتعجب منها فالعجائب في خلق السموات والأرض أكثر .

وقال ابن عباس : سألوك عن ذلك ليجعلوا جوابك علامة لصدقك وكذبك ، وسائر آيات القرآن أبلغ وأعجب وأدل على صدقك .

وقال الطبري : تقرير له عليه السلام على حسبانه { أن أصحاب الكهف } كانوا { عجباً } بمعنى إنكار ذلك عليه أن لا يعظم ذلك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة ، فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم .

قال : وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق .

وقال الزهراوي : يحتمل معنى آخر وهو أن يكون استفهاماً له هل علم { أن أصحاب الكهف كانوا من آياتنا عجباً } بمعنى إثبات أنهم عجب ، ويكون فائدة تقريره جمع نفسه للأمر لأن جوابه أن يقول لم أحسب ولا علمته ، فيقال له وصفهم عند ذلك والتجوز في هذا التأويل هو في لفظة حسبت انتهى .

وقال غيره : معناه أعلمت أي لم تعلمه حتى أعلمتك .

وقال الزمخشري : ذكر من الآيات الكلية تزيين الأرض بما خلق فوقها من الأجناس التي لا حصر لها ، وإزالة ذلك كله كأن لم يكن ثم قال : { أم حسبت } يعني { أن } ذلك من قصة أهل الكهف وإبقاء حياتهم مدة طويلة انتهى .

وقيل : أي أم علمت أي فاعلم أنهم { كانوا } { عجباً } كما تقول : أعلمت أن فلاناً فعل كذا أي قد فعل فاعلمه .

وقيل : الخطاب للسامع ، والمراد المشركون أي قل لهم { أم حسبتم } الآية .

والظن قد يقام مقام العلم ، فكذلك حسبت بمعنى علمت والكهف تقدم تفسيره في المفردات .

وعن أنس : الكهف الجبل .

قال القاضي : وهذا غير مشهور في اللغة .

وقال مجاهد : تفريج بين الجبلين ، والظاهر { أن أصحاب الكهف والرقيم } هم الفتية المذكورون هنا .

وعن ابن المسيب أنهم قوم كان حالهم كأصحاب الكهف .

فقال الضحاك { الرقيم } بلدة بالروم فيها غار فيه أحد وعشرون نفساً أموات كلهم نيام على هيئة { أصحاب الكهف } .

وقيل : هم أصحاب الغار ففي الحديث عن النعمان بن بشير أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر الرقيم قال : « إن ثلاثة نفر أصابتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة من الجبل فانطبقت على باب الكهف » وذكر الحديث وهو حديث المستأجر والعفيف وبارّ والديه ، وفيما أورده فيه زيادة ألفاظ على ما في الصحيح .

ومن قال إنهم طائفتان قال : أخبر الله عن { أصحاب الكهف } ولم يخبر عن أصحاب { الرقيم } بشيء ، ومن قال : بأنهم طائفة واحدة اختلفوا في شرح { الرقيم } فعن ابن عباس : إنه لا يدري ما { الرقيم } أكتاب أم بنيان ، وعنه أنه كتاب كان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين المسيح عليه السلام .

وقيل : من دين قبل عيسى ، وعن ابن عباس ووهب أنه اسم قريتهم .

وقيل : لوح من ذهب تحت الجدار أقامه الخضر عليه السلام .

وقيل : كتب فيه أسماؤهم وقصتهم وسبب خروجهم .

وقيل : لوح من رصاص كتب فيه شأن الفتية ووضع في تابوت من نحاس في فم الكهف .

وقيل : صخرة كتب فيها أسماؤهم وجعلت في سور المدينة .

وقيل : اسم كلبهم وتقدم بيت أمية قاله أنس والشعبي وابن جبير ، وعن الحسن : الجبل الذي به الكهف وعن عكرمة اسم الدواة بالرومية .

وقيل : اسم للوادي الذي فيه الكهف .

وقيل : رقم الناس حديثهم نقراً في الجبل .

و { عجباً } نصب على أنه صفة لمحذوف دل عليه ما قبله ، وتقديره آية { عجباً } ، وصفت بالمصدر أو على تقدير ذات عجب وأما أسماء فتية أهل الكهف فأعجمية لا تنضبط بشكل ولا نقط ، والسند في معرفتها ضعيف والرواة مختلفون في قصصهم وكيف كان اجتماعهم وخروجهم ، ولم يأت في الحديث الصحيح كيفية ذلك ولا في القرآن إلاّ ما قص تعالى علينا من قصصهم ، ومن أراد تطلب ذلك في كتب التفسير .

ورُوي أن اسم الملك الكافر الذي خرجوا في أيامه عن ملته اسمه دقيانوس .

وروي أنهم كانوا في الروم .

وقيل : في الشام وأن بالشام كهفاً فيه موتى ، ويزعم مجاوروه أنهم { أصحاب الكهف } وعليهم مسجد وبناء يسمى { الرقيم } ومعهم كلب رمة .

وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتي ومعهم كلب رمّة وأكثرهم قد انجرد لحمه وبعضهم متماسك ، وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم ويزعم ناس أنهم { أصحاب الكهف } .

قال ابن عطية : دخلت إليهم فرأيتهم منذ أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة وعليهم مسجد وقريب منهم بناء رومي يسمى { الرقيم } كأنه قصر مخلق قد بقي بعض جدرانه ، وهو في فلاة من الأرض خربة وبأعلى حضرة غرناطة مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة يقال لها مدينة دقيوس .

وجدنا في آثارها غرائب من قبور ونحوها وإنما استسهلت ذكر هذا مع بعده لأنه عجب يتخلد ذكره ما شاء الله عز وجل انتهى .

وحين كنا بالأندلس كان الناس يزورون هذا الكهف ويذكرون أنهم يغلطون في عدتهم إذا عدوهم ، وأن معهم كلباً ويرحل الناس إلى لوشة لزيارتهم ، وأما ما ذكرت من مدينة دقيوس التي بقبلي غرناطة فقد مررت عليها مراراً لا تحصى ، وشاهدت فيها حجارة كباراً ، ويترجح كون أهل الكهف بالأندلس لكثرة دين النصارى بها حتى أنها هي بلاد مملكتهم العظمى ، ولأن الأخبار بما هو في أقصى مكان من أرض الحجاز أغرب وأبعد أن يعرفه أحد إلاّ بوحي من الله تعالى .

والعامل في { إذ } .

قيل : أذكر مضمرة .

وقيل { عجباً } ،