الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنۡ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا} (9)

{ أَمْ حَسِبْتَ } ، معناه : بل أم حسبت ، يعني : أظننت يا محمد { أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } ؟ يعني : ليسوا أعجب آياتنا ؛ فإنّ ما خلقت من السماوات والأرض وما فيهنّ من العجائب أغرب منهم . والكهف هو الغار في الجبل . واختلفوا في الرقيم ، فقال فيه ما روى ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ ثلاثة نفر خرجوا يرتادون لأهلهم ، بينا هم يمشون إذ أصابتهم السماء ، فأووا إلى كهف فسقطت صخرة من الجبل فانطبقت على باب الكهف فانقفل عليهم ، فقال قائل منهم : اذكروا أيّكم عمل حسنة لعل الله برحمته يرحمنا .

فقال رجل منهم : قد عملت حسنة مرة ، كان لي أُجراء يعملون عملاً استأجرت كل رجل منهم بأجر معلوم ، فجاءني رجل ذات يوم وسط النهار فاستأجرته بشرط أصحابه ، فعمل في بقية نهاره كما عمل الرجل منهم في نهاره كله ، فرأيت عليَّ في الذِّمام ألاّ أُنقصه مّما استأجرت به أصحابه ، لما جهد في عمله ، فقال رجل منهم : أتعطي هذا ما أعطيتني ولا يعمل إلاّ نصف النهار ؟ قلت : يا عبد الله لم أبخسك شيئاً من شرطك ، وإنما هو مالي أحكم فيه ما شئت .

قال : فغضب وذهب وترك أجره ، فوضعت حقه في جانب من البيت ما شاء الله ، ثمّ نزل بي بعد ذلك بقر فاشتريت به فصيلة من البقر ، فبلغت ما شاء الله ، فمرّ بي بعد حين شيخ ضعيف لا أعرفه ، فقال لي : إنّ لي عندك حقاً . فذكره حتى عرفته ، قلت : إيّاك أبغي وهذا حقّك . فعرضتها عليه جميعاً فقال : يا عبد الله ، لا تسخر بي إن لم تتصدّق علي فأعطني حقي . قلت : والله لا أسخر ، إنها لحقك ما لي فيه شيء ، فدفعتها إليه . اللّهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنّا . فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء فأبصروا .

وقال الآخر : قد عملت حسنة مرّة ، كانت لي فضل ، وأصاب النّاس شدّة ، فجاءتني امرأة تطلب مني معروفاً ، فقلت : والله ما هو دون نفسك . فأبت عليَّ ، وذهبت ورجعت ثلاث مرات وقلت : لا والله ما هو دون نفسك . فأبت علّي وذهبت ، وذكرت لزوجها ، فقال لها : أعطيه نفسك وأغيثي عيالك . فرجعت إليّ ونشدتني بالله ، فأبيت عليها وقلت : والله ما هو دون نفسك . فلّما رأت ذلك أسلمت إلىّ نفسها ، فلّما تكشّفتها وهممت بها ارتعدت من تحتي ، فقلت لها : ما شأنك ؟ قالت : أخاف الله رب العالمين . فقلت لها : خفتِه في الشدّة ولم أخفه في الرخاء فتركتها وأعطيتها ما يحق علىّ بما تكشفتها . اللهمّ إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا . فانصدع حتى تعارفوا وتبيّن لهم .

وقال الآخر : قد عملت حسنة مرّة ، كان لي أبوان شيخان كبيران ، وكان لي غنم ، فكنت أُطعم أبوىَّ وأسقيهما ثمّ أرجع إلى أهلي . قال : فأصابني يوماً غيث حبسني حتى أمسيت فأتيت أهلي فأخذت محلبي وحلبت غنمي وتركتها قائمة فمضيت إليهما ، فوجدتهما ناما ، فشقّ عليَّ أن أُوقضهما ، وشقّ عليَّ أن أترك غنمي فما برحت جالساً ومحلبي على يدي حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما . اللهم إن فعلت ذلك لوجهك فافرج عنّا " .

قال النعمان لكأني أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الجبل طاق ، ففرج الله عنهم وخرجوا " .

وقال ابن عباس : الرقيم واد بين غطفان وأيلة ، وهو الوادي الذي فيه أصحاب الكهف . وقال كعب هي قريتهم . وهو على هذا التأويل من رقمة الوادي وهو موضع الماء منه ، تقول العرب : عليك بالرقمة ، ودع الضّفة .

والضِّفتان : جانبا الوادي . وقال سعيد بن جبير : الرَّقيم لوح من حديد ، وقيل : من رصاص ، كتبوا فيه أسماء أصحاب الكهف وقصتهم ، ثمّ وضعوه على باب الكهف . وهو على هذا التأويل بمعنى المرقوم ، أي المكتوب . والرّقم : الخط والعلامة ، والرقم : الكتابة .