إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنۡ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا} (9)

{ أَمْ حَسِبْتَ } الخطابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمرادُ إنكارُ حُسبانِ أمّته ، وأم منقطعةٌ مقدّرة ببل التي هي للانتقال من حديث إلى حديث لا للإبطال ، وبهمزة الاستئنافِ عند الجمهور وببل وحدها عند غيرِهم أي بل أحسبت { أَنَّ أصحاب الكهف والرقيم كَانُواْ } في بقائهم على الحياة مدةً طويلةً من الدهر { مِنْ آياتنا } من بين آياتِنا التي من جملتها ما ذكرناه مِنْ جعْل ما على الأرض زينةً لها للحكمة المشارِ إليها ثم جعلِ ذلك كلِّه صعيداً جرُزاً كأن لم تغْنَ بالأمس { عَجَبًا } أي آيةً ذاتَ عجَبٍ وضْعاً له موضعَ المضاف أو وصفاً لذلك بالمصدر مبالغةً ، وهو خبرٌ لكانوا ومن آياتنا حالٌ منه ، والمعنى أن قصّتَهم وإن كانت خارقةً للعادات ليست بعجيبة بالنسبة إلى سائر الآياتِ التي من جملتها ما ذكر من تعاجيب خلق الله تعالى بل هي عندها كالنزْر الحقير ، والكهفُ الغارُ الواسعُ في الجبل والرقيمُ كلبُهم ، قال أمية بن أبي الصَّلت : [ الطويل ]

وليس بها إلا الرقيمُ مجاورا *** وصيدُهمُ والقومُ في الكهف هُمَّدُ

وقيل : هو لوحٌ رصاصيٌّ أو حجَري رُقمت فيه أسماؤُهم وجُعل على باب الكهفِ ، وقيل : هو الوادي الذي فيه الكهفُ فهو من رَقْمة الوادي أي جانبِه ، وقيل : الجبلُ ، وقيل : قريتُهم ، وقيل : مكانُهم بين غضبانَ وأيْلةَ دون فلسطين ، وقيل : أصحابُ الرقيم آخرون وكانوا ثلاثةً انطبق عليهم الغارُ فنجَوْا بذكر كلَ منهم أحسنَ عمله على ما فُضِّل في الصحيحين .