اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنۡ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا} (9)

قوله : { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكهف والرقيم كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } الآية .

معناها : أظننت ، يا محمد ، أنَّ أصحاب الكهف والرَّقيم كانوا من آياتنا عجباً .

وقيل : معناه أنَّهم ليسوا بأعجب من آياتنا ؛ فإنَّ ما خلقت من السموات والأرض وما فيهن من العجائب أعجبُ منهم ، فكيف يستبعدُ من قدرته ورحمته حفظ طائفة مدة ثلاثمائة سنةٍ وأكثر ؟ هذا وجه النظم .

وقد تقدَّم سببُ نزولِ قصَّة أصحاب الكهف عند قوله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح } [ الإسراء : 85 ] .

والكهف هو الغار في الجبل وقيل : مطلق الغار ، وقيل : هو ما اتسع في الجبل ، فإن لم يتَّسِعْ ، فهو غارٌ ، والجمع " كُهُوف " في الكثرة ، و " أكْهُفٌ " في القِلَّةِ .

والرَّقيم : قيل : بمعنى مرقوم .

وعلى هذا قال أهل المعاني{[20824]} : الرَّقيمُ الكتاب .

ومنه قوله : { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } [ المطففين : 9 ] أي : مكتوب .

قال الفراء : الرقيم لوحٌ كان فيه أسماؤهم وصفاتهم ، وسمِّي رقيماً ؛ لأنَّ أسماءهم كانت مرقومة فيه .

قال سعيد بن جبيرٍ ، ومجاهدٌ : كان لوحاً من حجارةٍ{[20825]} ، وقيل : من رصاصٍ ، كتبنا فيه أسماءهم وصفاتهم ، وشدَّ ذلك اللَّوح على باب الكهف ، وهو أظهر الأقوال .

وقيل : بمعنى راقم ، وقيل : هو اسم الكلب الذي لأصحاب الكهفِ ، وأنشدوا لأمية بن أبي الصَّلت : [ الطّويل ]

وليْسَ بِهَا إلاَّ الرَّقيمُ مُجاوِراً *** وصِيدَهُمُ ، والقَوْمُ بالكهْفِ هُمَّدُ{[20826]}

وروى عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّه قال : كلُّ القرآن معلومٌ إلا أربعة : غسلين ، وحناناً ، والأوَّاه ، والرَّقيم{[20827]} .

وروى عكرمة عن ابن عبَّاس أنه سئل عن الرَّقيم فقال : زعم كعبٌ أنَّها القرية التي خرجوا منها{[20828]} ، وهو قول السديِّ .

وحكي عن ابن عباس : أنَّه اسمٌ للوادي الذي فيه أصحاب الكهف ، وعلى هذا هو من رقمة الوادي ، وهو جانبه{[20829]} .

وقيل : اسم للجبلِ الذي فيه الكهف .

قوله : { أَمْ حَسِبْتَ } : " أم " هذه منقطعة ، فتقدَّر ب " بل " التي للانتقال ، لا للإبطال ، وبهمزة الاستفهام عند جمهور النحاة ، و " بل " وحدها أو بالهمزة وحدها عند غيرهم ، وتقدَّم تحقيق القولِ فيها .

و " أنَّ " وما في حيِّزها سادَّةٌ مسدَّ المفعولين ، أو أحدهما ، على الخلافِ المشهور .

قوله : " عَجَباً " يجوز أن تكون خبراً ، و " مِنْ آيَاتِنَا " حالٌ منه ، وأن يكون خبراً ثانياً ، و " مِنْ آيَاتِنَا " خبراً أوَّل ، وأن يكون " عجباً " حالاً من الضمير المستتر في " من آيَاتِنَا " لوقوعه خبراً ، ووحَّد ، وإن كان صفة في المعنى لجماعة ؛ لأن أصله المصدر قال ابن الخطيب : عجباً ، و " العجب " ها هنا مصدر ، سمِّي المفعول به ، والتقدير : " كانوا معجوباً منهم " فسمُّوا بالمصدر . وقالوا : " عَجَباً " في الأصل صفة لمحذوفٍ ، تقديره : آية عجباً ، وقيل : على حذف مضافٍ ، أي : آية ذات عجبٍ .


[20824]:ينظر: الفخر الرازي 21/70.
[20825]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/384). عن سعيد بن جبير وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[20826]:ينظر البيت في البحر 6/91، الدر المصون 4/435.
[20827]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/384) وعزاه إلى عبد الرزاق.
[20828]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/384) وعزاه إلى سعيد بن منصور وعبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم والزجاج في "أماليه" وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس.
[20829]:ينظر: تفسير القرطبي (10/232) والبغوي (3/145).