الآية9 : وقوله تعالى : { أم حَسِبْتَ } قيل : أَحَسِبْتُ ؟ وقيل : قد حَسِبْتَ ، ويحتمل بمعنى : بل حَسِبْتَ كقوله : { أم يقولون افترى } ( الشورى : 24 ) أي بل يقولون . فعلى ذلك قوله : { أمن حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم } .
وقد ذكرنا في غير موضع أن حرف الاستفهام من الله يكون على الإيجاب والإلزام . ثم هو يُخَرَّجُ على وجهين :
أحدهما : على الأمر : احْسَبْ ، واعلم أن أنباء { أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا } وما ذكرنا : بل حَسِبَتْ ، وهو كذلك .
و( الثاني : على النهي ){[11395]} : لا تحسبن { أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا } ليسوا{[11396]} أعجب منها ، بل أتاك آيات أعجب منها بكثير ، والله أعلم .
ثم اخْتُلِفَ في الرقيم : قال بعضهم : الرقيم الكتاب كقوله : { كتاب مرقوم }( المطففين : 9و20 ) أي مكتوب .
وقال بعضهم : الرقيم : الوادي الذي فيه كَهْفُهُمْ . وقيل : اللوح الذي كتب فيه أسامي الفتية . وقيل : الرقيم القرية التي خرجت الفتية منها . وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ما أدري ما الرقيم ؟ لكني سألت كعبا عنها ، فزعم أنها القرية التي خرجوا منها . وقيل : الكلب الذي كان معهم . قالوا : أمثال ما ذكرنا وليس بنا إلى معرفة الكهف والرقيم حاجة ( إنما ذلك بلسانهم ، ولم يسألوا عن الكهف والرقيم ، وإنما سألوا عن أصحاب الكهف والرقيم ){[11397]} فما ينبغي لهم أن يشتغلوا به .
ثم قال أهل التأويل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قصة أصحاب الكهف والرقيم وأنبائهم ، فقال : أخبركم غدا ، ولم يَسْتَثْنِ{[11398]} ، فعاقبه الله فيه أن حبس عنه الوحي كذا وكذا يوما ، فنزل قوه تعالى{[11399]} : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا } { إلا أن يشاء الله } ( الكهف : 23و24 ) .
لكن ذلك فاسد . وما توهموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم محال ، لأنه كذب لا يجوز أن يكون رسول الله ، يقول : أُخْبِرُكُمْ غدا ، والله لم يأمره{[11400]} بذلك ، أو قال ، ولم يستثن ، فيحبس الله الوحي عنه ، ولا يخبرهم في الوقت الذي قال : إنه يخبرهم ، فيظهر كذبه عندهم بعدما اختاره لرسالته ، واصطفاه لموضع وحيه ، ثم يكذبه في ما أخبر . هذا فاسد محال غير محتمل ما توهموا به على الله وعلى رسوله ، لقد{[11401]} كان من كفار مكة السعي في منع/313-أ/ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تبليغ الرسالة إلى الناس
والحيلولة عن الدعاء إلى ما أمر أن يدعوهم واستقبال حججه وبراهينه بتمويهاتهم ، وقد ذُكِرَ في غير قِصَّةٍ وَخَبَرٍ أنهم سألوا اليهود عنه وعن بغثة{[11402]} : هل تجدون( بعثه في كتبكم ){[11403]} ؟ إذ لم يكونوا أهل كتاب ، يعلمون ذلك ، فاحتاجوا إلى من يعلمهم ، ويخبرهم عنه{[11404]} ، فسألوا يهود المدينة عنه وعن خبره ، فقالوا : نجد بعثه{[11405]} في كتابنا كما تقولون . فهذا وقت وخروجه وأوانه .
فقالوا لهم : حدثونا بشيء ، لا يعلمه إلا نبي . فقالوا : سلوه عن ثلاث خصال ، فإن أجابهن فهو نبي ، وإلا فهو كذاب . اسألوه عن أصحاب الكهف ، واسألوه عن ذي القرنين فإنه كان ملكا ، وكان من أمره كذا وكذا ، واسألوه عن الروح . فإن أخبركم فهو نبي ، وإن لم يخبركم فهو كذاب . فسألوه ، فأخبرهم عن ذلك . وبعض القصة اسألوه عن الروح ، فإن أخبركم عنه فهو ليس بنبي ، فإن لم يخبركم ، ولكنه وكَّلَ أمره إلى الله ، فهو نبي .
ثم قوله : { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا } يحتمل أن يكون الخطاب به ، وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالمراد به غيره على ما خاطبه به في غير آية من القرآن ، والمراد به غيره .
ويحتمل أن ( يكون{[11406]} ) الخطاب له ، والمراد هو . وإن كان هو المخاطب بهذا فإنه يحتمل قوله : { أم حسبت } إلى آخره وجهين :
أحدهما : يقول : قد حَسِبْتَ أن أنباءهم وأخبارهم كانت من آياتنا لرسالتك ونبوتك عجبا . فيكون الحساب على هذا التأويل في موضع العلم واليقين . كأنه قال : قد عَلِمْتُ أن أنباء أصحاب الكهف وأخبارهم آية عجيبة لرسالتك .
والثاني : إخبار أحوالهم وتَقَبُّلِهِمْ من حال إلى حال . فإن كان على هذا فيكون الحِسْبَانُ في موضع الحِسبَانِ ، كأنه قال : قد حَسِبْتَ أن أحوالهم وتَقَلُّبَهُمْ كان من آياتنا عجبا . هذا إن كان الخطاب به لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( والمراد هو . وأما إذا كان
المراد ){[11407]} : به غيره فإنه يجوز على الحسبان والظن وغيره ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.