المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَّا يَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمٗا} (147)

147- وإن الله - تعالى - لا مطلب له منكم إلا الإيمان به ، وشكر نعمته ، وإذا كنتم كذلك فلا عذاب لكم ، ولكن جزاء على الخير والشكر ، وإن الله - تعالى - شاكر يشكر لعباده عمل الخير ، وعليم يعلم كل حالهم من خير وشر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَّا يَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمٗا} (147)

ثم قال تعالى للمنافقين ، { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم } الآية ، أي : أي منفعة له في ذلك أو حاجة ؟ والشكر على الحقيقة لا يكون إلا مقترناً بالإيمان ، لكنه ذكر الإيمان تأكيداً وتنبيهاً على جلالة موقعه ، ثم وعد الله تعالى بقوله : { وكان الله شاكراً عليماً } أي يتقبل أقل شيء من العمل وينميه ، فذلك شكر منه لعباده ، والشكور من البهائم الذي يأكل قليلاً ويظهر به بدنه ، والعرب تقول في مثل ( أشكر من بروقة ){[4351]} ، لأنها_ يقال_ : تخضر وتنضر بظل السحاب دون مطر ، وفي قوله { عليماً } تحذير وندب إلى الإخلاص .


[4351]:-البَرْوَقُ: ما يكسو الأرض من أول خضرة النبات، وقيل: هي بقلة سوء تنبت في أول البقل لها قصبة مثل السياط وثمرة سوداء، واحدها: بروقة، وتقول العرب: هو أشكر من بروق، وذلك أنه يعيش بأدنى ندى يقع من السماء، وقيل: لأنه يخضر إذا رأى السحاب، ويقال أيضا: "أضعف من بروقة" قال جرير: كأن سيوف التيم عيدان بروق إذا نضيت عنها لحرب جفونها والمثل: "أشكر من بروقة" يضرب لمن يقابل المعروف بالشكر والثناء العاجلين. أو لمن يمدح ويشكر لأقل نعمة يحصل عليها.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَّا يَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمٗا} (147)

تذييل لكلتا الجملتين : جملة { إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار } مع الجملة المتضمنّة لاستثناء من يتوب منهم ويؤمن ، وما تضمّنته من التنويه بشأن المؤمنين من قوله : { وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيماً } [ النساء : 146 ] .

والخطاب يجوز أن يراد به جميع الأمّة ، ويجوز أن يوجّه إلى المنافقين على طريقة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ارتفاقاً بهم .

والاستفهام في قوله : { ما يفعل الله بعذابكم } أريد به الجواب بالنفي فهو إنكاري ، أي لا يفعل بعذابكم شيئاً .

ومعنى { يفْعَلُ } يصنع وينتفع ، بدليل تعديته بالباء . والمعنى أنّ الوعيد الذي تُوعِّد به المنافقون إنّما هو على الكفر والنفاق ، فإذا تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله غفر لهم العذاب ، فلا يحسبوا أنّ الله يعذّبهم لِكراهة في ذاتهم أو تشفّ منهم ، ولكنّه جزاء السوء ، لأنّ الحَكيم يضع الأشياء مواضعها ، فيجازي على الإحسان بالإحسان ، وعلى الإساءة بالإساءة ، فإذا أقلع المسيء عن الإساءة أبطل الله جزاءه بالسوء ، إذ لا ينتفع بعذاب ولا بثواب ، ولكنّها المسبّبات تجري على الأسباب . وإذا كان المؤمنون قد ثبتوا على إيمانهم وشُكرهم ، . وتجنّبوا موالاة المنافقين والكافرين ، فالله لا يعذّبهم ، إذ لا موجب لعذابهم .

وجملة { وكان الله شاكراً عليماً } اعتراض في آخر الكلام ، وهو إعلام بأنّ الله لا يعطّل الجزاء الحسن عن الذين يؤمنون به ويشكرون نعمَهُ الجمّة ، والإيمان بالله وصفاته أوّل درجات شكر العبد ربّه .