الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{مَّا يَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمٗا} (147)

{ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ } نعماه { وَآمَنْتُمْ } به وفي الآية تقديم ، وتأخير ، تقديرها ما يفعل الله بعذابكم ان آمنتم وشكرتم لأن الشكر لاينفع مع عدم الإيمان بالله والله تعالى عرف خلقه بفضله على ان تعذيبه عباده لايزيد في ملكه . وتركه عقوبتهم على افعالهم ، لاينقص من سلطانه { وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً } للقليل من اعمالكم { عَلِيماً } بإضعافها لكم إلى عشرة إلى سبعمائة ضعف .

قال أهل اللغة : أصل الشكر إظهار النعمة والتحدث بها . قال الله تعالى

{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [ الضحى : 11 ] وذكر بعض أهل اللغة إن الشكر مأخوذ من قول العرب لغة شكور إذا كان يظهر سمنها على القليل من العلف فكان الله تعالى سمّى نفسه شاكراً إلا أنه يرضى من عباده بالقليل من العبادة ، بعد رتبة التوحيد .

وقال بعض المعتزلة : إن الوصف لله بأنه شكور وشاكر على جهة المجاز لأن الشكر في الحقيقة هو الاعتراف بنعم المنعم فلما كان القديم تعالى ذكره مجازياً للمطيعين على طاعتهم سمي مجازاته إياهم عليها شكراً على التوسعة ، وليس الحمد عنده هو الشكر لأن الحمد ضد [ الذم ] والشكر ضد الكفر ، فيقال له : إن لم يجز أن يكون الباري تعالى شاكراً على الحقيقة لما ذكرته لم يجز أن يكون مثيباً ، لأن المثيب من كافى غيره على نعمة [ قدمت ] إليه ابتداءً ، [ وإلاّ لم يجزيه ] أن يكون شاكراً في الحقيقة ، والشكر من الله تعالى الثواب .

ومن العباد الطاعة وحقيقة مقابلة الطاعة بغيرها ، فإذا قابلت أوامر الله بطاعتك فقد شكرته وإذا قابلك الله طاعتك بثوابه فقد شكرك عليها .