البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَّا يَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمٗا} (147)

{ ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } الخطاب قيل : للمؤمنين .

وقيل : للكافرين ، وهو الذي يقتضيه سياق الكلام .

وهذا استفهام معناه النفي أي : ما يعذبكم إنْ شكرتم وآمنتم .

والمعنى : أنه لا منفعة له في ذلك ولا حاجة ، لأن العذاب إنما يكون لشيء يعود نفعه أو يندفع ضره عن المعذب ، والله تعالى منزه عن ذلك ، وإنما عقابه المسيء لأمر قضت به حكمته تعالى ، فمن شكره وآمن به لا يعذبه .

وما استفهام كما ذكرنا في موضع نصب بفعل ، التقدير : أي شيء يفعل الله بعذابكم .

والباء للسبب ، استشفاء أم إدراك ثأر ، أم جلب منفعة ، أم دفع مضرة ، فهو تعالى منزه عن ذلك .

وأجاز أبو البقاء أنْ تكون ما نافية ، قال : والمعنى : ما يعذبكم .

ويلزم على قوله أن تكون الباء زائدة ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي : إن شكرتم وآمنتم فما يفعل بعذابكم .

ذكر عن ابن عباس أنّ المراد بالشكر هنا توحيد الله .

وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : لم قدم الشكر على الإيمان ؟ ( قلت ) : لأن العاقل ينظر إلى ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع فيشكر شكراً مبهماً ، فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المؤمن به المنعم آمن به ، ثم شكر شكراً مفصلاً ، فكان الشكر متقدماً على الإيمان ، وكان أصل التكليف ومداره .

وقال ابن عطية : الشكر على الحقيقة لا يكون إلا مقترناً بالإيمان ، لكنه ذكر الإيمان تأكيداً وتنبيهاً على جلالة موقعه انتهى .

وأبعد من ذهب إلى أنه على التقديم والتأخير أي : إن آمنتم وشكرتم .

{ وكان الله شاكراً عليماً } شاكراً أي : مثيباً موفياً أجوركم .

وأتى بصفة الشكر باسم الفاعل بلا مبالغة ليدل على أنه يتقبل ولو أقل شيء من العمل ، وينميه عليماً بشكركم وإيمانكم فيجازيكم .

وفي قوله : عليماً ، تحذير وندب إلى الإخلاص لله تعالى .

وقيل : الشكر من الله إدامة النعم على الشاكر .

/خ159