الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{مَّا يَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمٗا} (147)

قال سبحانه للمنافقين : { مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ . . . } أيْ : أَيُّ منفعةٍ له سبحانه في ذلك أوْ حاجَةٍ ؟ قال أبو عَبْدِ اللَّهِ اللَّخْمِيُّ : زعم الطبريُّ ، أنَّ قوله تعالى : { مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ } : خطابٌ للمنافقين ، ولا يكادُ يقُومُ له على ذلك دليلٌ يقطَعُ به ، وليس في ذِكْرِ المنافقينَ قَبْلَهُ ما يقتَضِي أنْ يُحْمَلَ عليهم ، خاصَّةً مع احتمال الآية للعُمُومِ ، فقطْعُهُ بأنَّ الآية في المنافِقِينَ حُكْمٌ لا يقُومُ به دليلٌ ، انتهى . وهو حَسَنٌ ، إذ حمل الآية على العُمُومِ أحْسَنُ .

والعَجَب من ( ع ) : كيف تَبِعَ الطبريُّ في هذا التَّخْصيصِ ، ويظهر واللَّه أعلم أنهما عَوَّلا في تخصيصِ الآيةِ على قوله تعالى : { وَآمَنتُمْ } ، وهو محتملٌ أن يحمل في حَقِّ المنافقين على ظاهره ، وفي حقِّ المؤمنين على معنى : «دُمْتُمْ على إيمانكم » ، واللَّه أعلم .

والشُّكْرُ على الحقيقة لا يَكُونُ إلاَّ مقترناً بالإيمان ، لكنه ذكر الإيمان تأكيداً وتنبيهاً على جلالة موقعه ، ثم وَعَدَ سبحانه بقوله : { وَكَانَ الله شاكرا عَلِيماً } : أيْ يتقبَّل أقلَّ شيء مِنَ العَمَل ، وينَمِّيه ، فذلك شُكْرٌ منه سبحانه لعباده ، والشَّكُورُ من البهائمِ : الَّذي يأكل قليلاً ، ويظهر به بَدَنُه ، والعَرَبُ تقول في مثل : «أَشْكَرُ مِنْ بَرْوقَةٍ » ، لأنها يُقَالُ : تخضَرُّ وتتنضَّر بِظِلِّ السَّحاب دُونَ مَطَرٍ ، وفي قوله : { عَلِيماً } : تحذيرٌ ونَدْبٌ إلى الإخلاص .