المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

38- وأقسم : لئن سألت - يا محمد هؤلاء المشركين - من خلق السماوات والأرض ؟ ليقولن : الله هو الذي خلقهن . قل لهم - يا محمد - : أعقلتم فرأيتم الشركاء الذين تدعونهم من دون الله ، إن شاء الله ضري هل هن مزيلات عنى ضره ، أو شاء لي رحمة هل هن مانعات عنى رحمته ؟ قل لهم - يا محمد - : الذي يكفيني في كل شيء وحده ، عليه - لا على غيره - يعتمد المتوكلون المفوضون كل شيء إليه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

قوله تعالى :{ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر } بشدة وبلاء . { هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة } بنعمة وبركة . { هل هن ممسكات رحمته } قرأ أهل البصرة : { كاشفات } و { ممسكات } بالتنوين ، { ضره } { ورحمته } بنصب الراء والتاء . وقرأ الآخرون بلا تنوين ، وجر الراء والتاء على الإضافة . قال مقاتل : فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكتوا ، فقال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : { قل حسبي الله } ثقتي به واعتمادي عليه . { عليه يتوكل المتوكلون } يثق به الواثقون .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

وقوله : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } يعني : [ أن ]{[25137]} المشركين كانوا يعترفون بأن الله هو الخالق للأشياء كلها ، ومع هذا يعبدون معه غيره ، مما{[25138]} لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ؛ ولهذا قال : { قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } أي : لا تستطيع شيئا من الأمر{[25139]} .

وذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديث قيس بن الحجاج ، عن حنش الصنعاني ، عن{[25140]} ابن عباس مرفوعا : «احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يضروك ، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم ينفعوك ، جفت الصحف ، ورفعت الأقلام ، واعمل لله بالشكر في اليقين ، واعلم أن الصبر على ما تكره خير كثير ، وأن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا »{[25141]} .

{ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ } أي : الله كافيّ ، عليه توكلت وعليه يتوكل المتوكلون ، كما قال هود ، عليه السلام ، حين قال له قومه : { إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِي إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ هود : 54 - 56 ] .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري ، حدثنا عبد الله بن بكر{[25142]} السهمي ، حدثنا محمد بن حاتم ، عن أبي المقدام - مولى آل عثمان - عن محمد بن كعب القرظي ، حدثنا ابن عباس{[25143]} [ رضي الله عنهما ] {[25144]} - رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق [ منه ]{[25145]} بما في يديه ، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله " {[25146]} .


[25137]:- زيادة من ت ، أ.
[25138]:- في ت ، س ، أ: "ممن".
[25139]:- في ت: "الأمور".
[25140]:- في ت: "حدثنا بسنده إلى".
[25141]:- رواه أحمد في مسنده (1/293) والترمذي في السنن برقم (2516) من طريق الليث بن سعد عن قيس بن الحجاج به ، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
[25142]:- في أ: "بكير".
[25143]:- في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده إلى ابن عباس".
[25144]:- زيادة من ت.
[25145]:- زيادة من ت ، س ، أ.
[25146]:- ورواه أبو نعيم في الحلية (3/218) من طرق عن أبي المقدام به ، ورواه ابن عدي في الكامل (5/241) من طريق شيبان عن عيسى ابن ميمون عن محمد بن كعب القرظي به.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ قُلْ أَفَرَأيْتُم مّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللّهُ بِضُرّ هَلْ هُنّ كَاشِفَاتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكّلُ الْمُتَوَكّلُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين العادلين بالله الأوثان والأصنام : مَنْ خلق السموات والأرض ؟ ليقولنّ : الذي خلقهنّ الله فإذا قالوا ذلك ، فقل : أفرأيتم أيها القوم هذا الذي تعبدون من دون الله من الأصنام والاَلهة إنْ أرَادَنِي اللّهُ بِضُرَ يقول : بشدة في معيشتي ، هل هنّ كاشفات عني ما يصيبني به ربي من الضر ؟ أوْ أرَادَنِي بِرَحْمَةٍ يقول : إن أرادني ربي أن يصيبني سعة في معيشتي ، وكثرة مالي ، ورخاء وعافية في بدني ، هل هن ممسكات عني ما أراد أن يصيبني به من تلك الرحمة ؟ وترك الجواب لاستغناء السامع بمعرفة ذلك ، ودلالة ما ظهر من الكلام عليه . والمعنى : فإنهم سيقولون لا ، فقل : حسبي الله مما سواه من الأشياء كلها ، إياه أعبد ، وإليه أفزع في أموري دون كلّ شيء سواه ، فإنه الكافي ، وبيده الضرّ والنفع ، لا إلى الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع ، عَلَيْه يَتَوَكّلُ المُتَوَكّلُونَ يقول : على الله يتوكل من هو متوكل ، وبه فليثق لا بغيره . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَئِنْ سألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ حتى بلغ كاشِفاتُ ضُرّهِ يعني : الأصنام أوْ أرَادَنِي برَحْمَةٍ هَلْ هُنّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ .

واختلفت القراء في قراءة كاشِفاتُ ضُرّهِ و مُمْسِكاتُ رَحْمَتِه ، فقرأه بعضهم بالإضافة وخفض الضر والرحمة ، وقرأه بعض قراء المدينة وعامة قرّاء البصرة بالتنوين ، ونصب الضر والرحمة .

والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان مشهورتان ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وهو نظير قوله : كَيْد الكافِرينَ في حال الإضافة والتنوين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

هذا ابتداء احتجاج عليهم بحجة أخرى ، وجملتها أن وقفوا على الخالق المخترع ، فإذا قالو إنه الله لم يبق لهم في الأصنام غرض إلا أن يقولوا إنها تنفع وتضر ، فلما تقعد{[9900]} من قولهم إن الله هو الخالق ، قيل لهم { أفرأيتم } هؤلاء إذا أراد الله أمراً بهم قدرتم على نقضه ؟ وحذف الجواب عن هذا ، لأنه من البين أنه لا يجيب أحد إلا بأنه لا قدرة بالأصنام على شيء من ذلك .

وقرأ : «إن أرادنيَ » بياء مفتوحة جمهور القراء والناس . وقرأ الأعمش : { أرادني الله } بحذف الياء في الوصل ، وروى خارجة «إن أراد » بغير ياء .

وقرأ جمهور القراء والأعرج وأبو جعفر والأعمش وعيسى وابن وثاب : «كاشفاتُ ضرِّه » بالإضافة . وقرأ أبو عمر وأبو بكر عن عاصم : «كاشفاتٌ ضرَّه » بالتنوين والنصب في الراء ، وهي قراءة شيبة والحسن وعيسى بخلاف عنه وعمرو بن عبيد ، وهذا هو الوجه فيما لم يقع بعد ، وكذلك الخلاف في : { ممسكات رحمته }{[9901]} .


[9900]:لعله يريد: تمكن من أن يجبرهم على ذلك، وأقرب معاني(تقعدته) في اللسان إلى هذا أنها تأتي بمعنى: ربثته عن حاجته وعقته، أو حبسته عنها.
[9901]:التنوين هو في الأصل، وهو اختيار أبي عبيد، وأبي حاتم، قالوا لأنه اسم فاعل في معنى الاستقبال، وإذا كان كذلك كان التنوين أجود، قال الشاعر: الضاربون عميرا عن بيوتهم بالليل يوم عمير ظالم عادي ولو كان ماضيا لم يجز فيه التنوين، على أن حذف التنوين كثير في كلام العرب، قال تعالى: {هديا بالغ الكعبة}، وقال:{إنا مرسلوا الناقة}.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله }

اعتراض بين جملة { أليس الله بعزيز } [ الزمر : 37 ] ، وجملة { قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله } ، فالواو اعتراضية ، ويجوز أن يكون معطوفاً على جملة { أليس الله بكاف عبده } [ الزمر : 36 ] وهو تمهيد لما يأتي بعده من قوله : { قُل أفرءيتُم ما تدعُون من دون الله } ، لأنه قصد به التوطئة إليه بما لا نزاع فيه لأنهم يعترفون بأن الله هو المتصرف في عظائم الأمور ، أي خلقَهُما وما تحويانه ، وتقدم نظيره في سورة العنكبوت .

{ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِىَ الله بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشفات ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ ممسكات رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِىَ الله عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المتوكلون } .

جاءت جملة { قل أفرءيتم } على أسلوب حكاية المقاولة والمجاوبة لكلامهم المحكي بجملة { ليقولن الله } ولذلك لم تعطف الثانية بالواو ولا بالفاء ، والمعنى : ليقولن الله فقل أفرأيتم ما تدعون من دون الله الخ . والفاء من { أفرءيتم } لتفريع الاستفهام الإنكاري على جوابهم تفريعاً يفيد محاجّتهم على لازم اعترافهم بأن الله هو خالق السماوات والأرض كما في قوله تعالى : { قل أفغير اللَّه تأمروني أعبد أيها الجاهلون } [ الزمر : 64 ] . وهذا تفريع الإلزام على الإقرار ، والنتيجة على الدليل فإنهم لما أقروا بأنه خالق السمَاوات والأرض يلزمهم أن يقرّوا بأنه المتصرف فيما تحويه السماوات والأرض . والرؤية قلبية ، أي أفظننتم .

وما تدعون من دون الله } مفعول ( رأيتم ) الأول والمفعول الثاني محذوف سدّ مسده جوابُ الشرط المعترَض بعد المفعول الأول على قاعدة اللغة العربية عند اجتماع مبتدأ وشرطٍ أن يجري ما بعدهما على ما يناسب جملة الشرط لأن المفعول الأول لأفعال القلوب في معنى المبتدأ .

وجملة { هل هن كاشفات ضرِّهِ } جواب { إِنْ . واستعمال العرب إذا صُدّر الجواب بأداة استفهام غير الهمزة يجوز تجرده عن الفاء الرابطة للجواب كقوله تعالى : { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللَّه بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون } [ الأنعام : 47 ] ، ويجوز اقترانه بالفاء كقوله : { قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من اللَّه } [ هود : 63 ] . فأما المصدّر بالهمزة فلا يجوز اقترانه بالفاء كقوله : { أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن اللَّه يرى } [ العلق : 13 ، 14 ] .

وجواب الشرط دليل على المفعول الثاني لفعل الرؤية . والتقدير : أرأيتم مَا تدعون من دون الله كاشفاتٍ ضرّه . والهمزة للاستفهام وهو إنكاري إنكاراً لهذا الظن .

وجيء بحرف { هل } في جواب الشرط وهي للاستفهام الإِنكاري أيضاً تأكيداً لما أفادته همزة الاستفهام مع ما في ( هل ) من إفادة التّحْقيق . وضمير { هُنَّ } عائد إلى مَا الموصولة وكذلك الضمائر المؤنثة الواردة بعده ظاهرةً ومستترة ، إما لأن ( مَا ) صْدَقَ ما الموصولة هُنا أحجار غيرُ عاقلة وجمع غير العقلاء يَجري على اعتبار التأنيث ، ولأن ذلك يُصير الكلام من قبيل الكلام الموجه بأن آلهتهم كالإِناث لا تقدر على النصر .

والكاشفات : المزيلات ، فالكشف مستعار للإِزالة بتشبيه المعقول وهو الضُرّ بشيء مستتر ، وتشبيهِ إزالته بكشف الشيء المستور ، أي إخراجه ، وهي مكنية والكشف استعارة تخييلية .

والإِمساك أيضاً مكنية بتشبيه الرحمة بما يُسعَف به ، وتشبيه التعرض لحصولها بإمساك صاحب المتاع متاعه عن طالبيه .

وعدل عن تعدية فعل الإِرادة للضر والرحمة ، إلى تعديته لضمير المتكلم ذات المضرور والمَرحوم مع أن متعلق الإِرادات المعاني دون الذوات ، فكان مقتضى الظاهر أن يقال : إن أراد ضرّي أو أراد رحمتي فحق فعل الإِرادة إذا قصد تعديته إلى شيئين أن يكون المرادُ هو المفعول ، وأن يكون ما معه معدىًّ إليه بحرف الجرّ ، نحو أردتُ خيراً لزيد ، أو أردت به خيراً ، فإذا عدل عن ذلك قصد به الاهتمام بالمراد به لإِيصال المراد إليه حتى كأن ذاته هي المراد لمن يريد إيصال شيء إليه ، وهذا من تعليق الأحكام بالذوات . والمرادُ أحوال الذوات مثل { حُرمت عليكم الميتة } [ المائدة : 3 ] ، أي أكلها . ونظم التركيب : إن أرادني وأنا متلبس بضرّ منه أو برحمة منه ، قال عمرو بن شاس :

أَرَادَتْ عِراراً بالهَوانِ ومَنْ يُرِدْ *** عِراراً لَعَمْرِي بالهَوَانِ فَقَدْ ظَلَمْ

وإنمَا فَرض إرادة الضر وإرادة الرحمة في نفسه دون أن يقول : إن أرادكم ، لأن الكلام موجَّه إلى ما خوفوه من ضُر أصنامهم إياه .

وقرأ الجمهور { كاشفات ضُرِّه } و { ممسكات رحمته } بإضافة الوصفين إلى الاسمين . وقرأ أبو عمرو ويعقوب بتنوين الوصفين ونَصب { ضُرَّه } و { رحمتَه } وهو اختلاف في لفظِ تعلُّق الوصف بمعموله والمعنى واحد .

ولمّا ألقمهم الله بهذه الحجة الحجَرَ وقطَعهم فلا يُحيروا ببنْت شَفَة أَمَر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول : { حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون } ، وإنما أعيد الأمر بالقول ولم يَنتظِمْ { حسبي الله } في جملة الأمر الأول ، لأن هذا المأمور بأن يقوله ليس المقصود توجيهه إلى المشركين فإن فيما سبقه مَقنَعاً من قلة الاكتراث بأصنامهم ، وإنما المقصود أن يكون هذا القول شِعَارَ النبي صلى الله عليه وسلم في جميع شؤونه ، وفيه حَظ للمؤمنين معه حاصل من قوله : { عليه يتوكل المتوكلون } قال تعالى : { يا أيها النبي حسبك اللَّه ومن اتبعك من المؤمنين } [ الأنفال : 64 ] ، فإعادة فعل { قل } للتنبيه على استقلال هذا الغرض عن الغرض الذي قبله .

والحسْب : الكافي . وتقدم في قوله تعالى : { وقالوا حسبنا اللَّه ونعم الوكيل } في [ آل عمران : 73 ] . وحُذف المتعلِّق في هذه الجملة لعموم المتعلِّقَات ، أي حسبيَ الله من كل شيء وفي كل حال .

والمراد بقوله اعتقادُه ، ثم تذكُّرُه ، ثم الإِعلانُ به ، لتعليم المسلمين وإغاظة المشركين .

والتوكل : تفويضُ أمور المفوِّض إلى من يَكفيه إياه ، وتقدم في قوله : { فإذا عزمت فتوكل على اللَّه إن اللَّه يحب المتوكلين } في سورة [ آل عمران : 159 ] .

وجملة { عليه يتوكل المتوكلون } يجوز أن تكون مما أُمر بأن يقوله تذكراً من النبي صلى الله عليه وسلم وتعليماً للمسلمين فتكون الجملة تذييلاً للتي قبلها لأنها أعمّ منها باعتبار القائلين لأن { حسبي الله } يؤول إلى معنى : توكلت على الله ، أي حَسبي أنا وحسب كل متوكل ، أي كل مؤمن يعرف الله حق معرفته ويعتمد على كفايته دون غيره ، فتعريف { المتوكلون } للعموم العرفي ، أي المتوكلون الحقيقيون إِذ لا عبرة بغيرهم .

ويجوز أن تكون من كلام الله تعالى خاطبَ به رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بأن يقوله فتكون الجملة تعليلاً للأمر بقَول : { حسبي الله } ، أي اجعَلْ الله حسبك ، لأن أهل التوكل يتوكلون عَلَى الله دون غيره وهم الرسل والصالحون وإذ قد كنتَ من رفيقهم فكن مثلَهم في ذلك على نحو قوله تعالى : { أولئك الذين هدى اللَّه فبهداهم اقتده } [ الأنعام : 90 ] . وتقديم المجرور على يتوكَّلُ } لإِفادة الاختصاص لأن أهل التوكل الحقيقيين لا يتوكلون إلا على الله تعالى ، وذلك تعريض بالمشركين إذ اعتمدوا في أمورهم على أصنامهم .