{ وأنا كنا نقعد منها } من السماء ، { مقاعد للسمع } أي : كنا نستمع ، { فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً } أرصد له ليرمى به . قال ابن قتيبة : إن الرجم كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يكن مثل ما كان بعد مبعثه في شدة الحراسة ، وكانوا يسترقون السمع في بعض الأحوال ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعوا من ذلك أصلاً .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَنّا كُنّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الاَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رّصَداً * وَأَنّا لاَ نَدْرِيَ أَشَرّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبّهُمْ رَشَداً } .
يقول عزّ وجلّ : وإنا كنا معشر الجنّ نقعد من السماء مقاعد لنسمع ما يحدث ، وما يكون فيها ، فَمَنْ يَسْتَمِع الاَنَ فيها منا يَجدْ لَهُ شِهابا رَصَدا يعني : شهاب نار قد رصد له به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله وأنّا لَمَسْنا السّماءَ . . . إلى قوله : فَمَنْ يَسْتَمِعِ الاَنَ يَجدْ لَهُ شِهابا رَصَدا كانت الجنّ تسمع سمع السماء فلما بعث الله نبيه ، حُرست السماء ، ومُنعوا ذلك ، فتفقّدت الجنّ ذلك من أنفسها .
وذُكر لنا أن أشراف الجنّ كانوا بنصيبين ، فطلبوا ذلك ، وضربوا له حتى سقطوا على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بأصحابه عامدا إلى عكاظ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وأنّا لَمَسْنا السّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَسا وشُهُبا . . . حتى بلغ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الاَنَ يَجدْ لَهُ شِهابا رَصَدا فلما وجدوا ذلك رجعوا إلى إبليس ، فقالوا : منع منا السمع ، فقال لهم : إن السماء لم تُحرس قطّ إلا على أحد أمرين : إما لعذاب يريد الله أن ينزله على أهل الأرض بغتة ، وإما نبيّ مرشد مصلح قال : فذلك قول الله : وأنّا لا نَدْرِي أشَرّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْض أمْ أرَاد بِهِمْ رَبّهُمْ رَشَدا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وأنا كنا نقعد منها} يعني من السماء قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم وتحرس السماء.
{مقاعد للسمع فمن يستمع الآن} إلى السماء إذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم. {يجد له شهابا} يعني رميا من الكواكب و {رصدا} من الملائكة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول عزّ وجلّ: وإنا كنا معشر الجنّ نقعد من السماء مقاعد لنسمع ما يحدث، وما يكون فيها،
"فَمَنْ يَسْتَمِع الاَنَ" فيها منا.
"يَجدْ لَهُ شِهابا رَصَدا" يعني: شهاب نار قد رصد له به.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قيل: الشهاب من الكواكب، والرصد من الملائكة، والأصل في ذلك أن الجن قد حبسوا وقت مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خبر السماء، وكانوا يسترقون السمع قبل ذلك، حتى ينقطع عن الكهنة؛ إذ لا يجوز أن يأتوا بخبر السماء وقت مبعث النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يختلط أمر الكهنة بأمره صلى الله عليه وسلم، فحبسوا عن الصعود إلى السماء وإتيان الخبر عنها حتى ينقطع أمر الكهنة، فجاءهم الرسول بعد ذلك ليعلموا أن ذلك ليس بكهانة، وإنما هو وحي ثابت من السماء؛ إذ لو كان كهانة كان غيره لا يمنع عن مثله كما في سالف الأزمان.
(وثانيها): قال الفراء: أي شهابا قد أرصد له ليرجم به.
(وثالثها): يجوز أن يكون رصدا أي راصدا، وذلك لأن الشهاب لما كان معدا له، فكأن الشهاب راصد له ومترصد له.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويمضي الجن في حكاية ما لقوه وما عرفوه من شأن هذه الرسالة في جنبات الكون، وفي أرجاء الوجود، وفي أحوال السماء والأرض، لينفضوا أيديهم من كل محاولة لا تتفق مع إرادة الله بهذه الرسالة، ومن كل ادعاء بمعرفة الغيب، ومن كل قدرة على شيء من هذا الأمر.
وهذا النفر من الجن يقول: إن استراق السمع لم يعد ممكنا، وإنهم حين حاولوه الآن -وهو ما يعبرون عنه بلمس السماء- وجدوا الطريق إليه محروسا بحرس شديد، يرجمهم بالشهب، فتنقض عليهم وتقتل من توجه إليه منهم. ويعلنون أنهم لا يدرون شيئا عن الغيب المقدر للبشر: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا).. فهذا الغيب موكول لعلم الله لا يعلمه سواه. فأما نحن فلا نعلم ماذا قدر الله لعباده في الأرض: قدر أن ينزل بهم الشر. فهم متروكون للضلال، أم قدر لهم الرشد -وهو الهداية- وقد جعلوها مقابلة للشر. فهي الخير، وعاقبتها هي الخير. وإذا كان المصدر الذي يزعم الكهان أنهم يستقون منه معلوماتهم عن الغيب، يقرر أنه هو لا يدري عن ذلك شيئا، فقد انقطع كل قول، وبطل كل زعم، وانتهى أمر الكهانة والعرافة. وتمحض الغيب لله، لا يجترئ أحد على القول بمعرفته، ولا على التنبؤ به. وأعلن القرآن تحرير العقل البشري من كل وهم وكل زعم من هذا القبيل! وأعلن رشد البشرية منذ ذلك اليوم وتحررها من الخرافات والأساطير! وهذا النفر من الجن يقول: إن استراق السمع لم يعد ممكنا، وإنهم حين حاولوه الآن -وهو ما يعبرون عنه بلمس السماء- وجدوا الطريق إليه محروسا بحرس شديد، يرجمهم بالشهب، فتنقض عليهم وتقتل من توجه إليه منهم. ويعلنون أنهم لا يدرون شيئا عن الغيب المقدر للبشر: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا).. فهذا الغيب موكول لعلم الله لا يعلمه سواه. فأما نحن فلا نعلم ماذا قدر الله لعباده في الأرض: قدر أن ينزل بهم الشر. فهم متروكون للضلال، أم قدر لهم الرشد -وهو الهداية- وقد جعلوها مقابلة للشر. فهي الخير، وعاقبتها هي الخير. وإذا كان المصدر الذي يزعم الكهان أنهم يستقون منه معلوماتهم عن الغيب، يقرر أنه هو لا يدري عن ذلك شيئا، فقد انقطع كل قول، وبطل كل زعم، وانتهى أمر الكهانة والعرافة. وتمحض الغيب لله، لا يجترئ أحد على القول بمعرفته، ولا على التنبؤ به. وأعلن القرآن تحرير العقل البشري من كل وهم وكل زعم من هذا القبيل! وأعلن رشد البشرية منذ ذلك اليوم وتحررها من الخرافات والأساطير!