افتتحت هذه السورة كما افتتحت سور كثيرة بحرفين من حروف الهجاء ، وابتدأت بالتنويه بشأن القرآن المنزل من العزيز العليم ، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول . ثم دعت إلى التوحيد وعدم الاغترار بما قد يكون عليه الكافرون من سلطان ، ودعتهم إلى أن يكذبوا مآل الأمم قبلهم .
وتحدثت السورة بعد ذلك عن حملة العرش وتسبيحهم ودعائهم ، وصورت حال الكافرين وما هم فيه من غضب الله . وتحدثت السورة في أكثر من موضع عن آيات الله وقدرته في أنفسهم وما يحيط بهم من السماوات والأرض ، وما أفاض عليهم من نعمه ، كما دعاهم الله في أكثر من آية إلى توحيده بالعبادة { فادعوا الله مخلصين له الدين } { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } { ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو } . كما اشتملت السورة في بعض آياتها على التذكير باليوم الآخر { وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين } . وتحدثت السورة عن شيء من قصة موسى عليه السلام مع فرعون وقومه . ولاسيما مؤمن آل فرعون ، وختمت السورة بدعوة الناس إلى أن يسيروا في الأرض لينظروا ما حل بالأمم قبلهم ، وكيف كان عاقبة غرورهم بما عندهم من العلم ، فلما حل بهم عذاب الله قالوا : آمنا بالله وحده وكفرنا بما أشركنا به ، ولكنهم آمنوا بعد فوات الأوان { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } وتلك سنة الله في خلقه ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، وعند نزول العذاب خسر هنالك الكافرون .
1- ح . م : حرفان من حروف الهجاء بدئت بهما السورة - على طريقة القرآن في بعض السور - للإشارة إلى أن القرآن من جنس كلامهم ، ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثله .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلاً ، فمر بأثر غيث ، فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه إذ هبط على روضات دمثات ، فقال : عجبت من الغيث الأول ، فهذا أعجب منه ، فقيل له : إن مثل الغيث الأول مثل عظم القرآن ، وإن مثل هؤلاء الروضات الدمثات مثل آل حم في القرآن .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا أبو محمد الرومي ، حدثنا أبو العباس السراج ، أنبأنا قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب الجراح بن الجراح ، حدثه عن ابن عباس ، قال : لكل شيء لباب ، ولباب القرآن الحواميم ، وقال ابن مسعود : إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات أتأنق فيهن ، وقال سعد بن إبراهيم : كن آل الحواميم يسمين العرائس .
قوله تعالى :{ حم } قد سبق الكلام في حروف التهجي . قال السدي ، عن ابن عباس : حم اسم الله الأعظم ، وروى عكرمة عنه ، قال : آلر وحم ونون حروف الرحمن مقطعة ، وقال سعيد بن جبير ، وعطاء الخراساني : الحاء افتتاح أسمائه ، حكيم ، حميد ، حي حليم ، حنان ، والميم افتتاح أسمائه ملك مجيد منان ، وقال الضحاك ، والكسائي : معناه قضى ما هو كائن ، كأنه أشارا إلى أن معناه حم بضم الحاء وتشديد الميم . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر حم بكسر الحاء ، والباقون بفتحها .
تفسير سورة غافر{[1]}
قد كره بعض السلف ، منهم محمد بن سيرين أن يقال : " الحواميم " وإنما يقال : " آل حم " .
قال عبد الله بن مسعود : " آل حم " ديباج القرآن .
وقال ابن عباس : إن لكل شيء لباباً ولُبَاب القرآن " آل حم " - أو قال : الحواميم .
قال مِسْعَر بن كِدَام : كان يقال لهن : " العرائس " .
روى ذلك كله الإمام العَلم{[2]} أبو عُبيد القاسم بن سلام ، رحمه الله ، في كتاب : " فضائل القرآن " . {[3]} وقال حُميد بن زَنْجويه : حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عن عبيد الله {[4]} قال : إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلا فمر بأثر غيث فبينا هو يسير فيه ويتعجب [ منه ] {[5]} ، إذ هبط على روضات دَمِثات فقال : عجبت من الغيث الأول ، فهذا أعجب وأعجب فقيل له : إن مثل الغيث الأول مثل عِظَم{[6]} القرآن ، وإن مثل هؤلاء الروضات الدمثات ، مثل آل حم في القرآن . أورده البغوي{[7]} .
وقال ابن لَهِيعة عن يزيد بن أبي حبيب : أن الجرّاح بن أبي الجراح حدثه عن ابن عباس ، قال : لكل شيء لباب ، ولباب القرآن الحواميم{[8]} .
وقال ابن مسعود : إذا وَقعتُ في " آل حم " فقد وقعتُ في روضات أتأنَّق فيهن {[9]} .
وقال أبو عبيد : حدثنا الأشجعي ، حدثنا مِسْعر - هو ابن كِدَام - عمن حدثه : أن رجلا رأى أبا الدرداء [ رضي الله عنه ]{[10]} يبني مسجداً ، فقال له : ما هذا ؟ فقال : أبنيه من أجل " آل حم " {[11]} .
وقد يكون هذا المسجد الذي بناه أبو الدرداء هو المسجد المنسوب إليه داخل قلعة دمشق . وقد يكون صيانتها وحفظها ببركته وبركة ما وُضع له ، فإن هذا الكلام يدل على النصر على الأعداء ، كما قال رسول الله {[12]} صلى الله عليه وسلم لأصحابه في بعض الغزوات : " إن بَيّتم الليلة فقولوا : حم ، لا ينصرون " وفي رواية : " لا تنصرون " {[13]} .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن الحكم بن ظَبْيان بن خَلف المازني ، ومحمد بن الليث الهمداني قالا حدثنا موسى بن مسعود ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ، عن زرارة بن مصعب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هُرَيرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ آية الكرسي وأول حم المؤمن ، عُصِم ذلك اليوم من كل سوء " .
ثم قال : لا نعلمه يُروى إلا بهذا الإسناد . ورواه الترمذي من حديث المليكي ، وقال : تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه{[14]} .
أما الكلام على الحروف المقطعة ، فقد تقدم في أول " سورة البقرة " بما أغنى عن إعادته هاهنا .
وقد قيل : إن { حم } اسم من أسماء الله عز وجل ، وأنشدوا في ذلك{[25400]} :
يُذَكِّرُني حامِيمَ والرمحُ شَاجرٌ*** فَهَلا تلا حَاميمَ قَبْل التَّقدُّمِ
وقد ورد {[25401]} في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي ، من حديث الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن المهلب بن أبي صُفْرة قال : حدثني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن بَيَّتم الليلة فقولوا : حم ، لا ينصرون " وهذا إسناد صحيح {[25402]} .
واختار أبو عبيد أن يُروى : " فقولوا : حم ، لا ينصروا " أي : إن قلتم ذلك لا ينصروا ، جعله جزاء لقوله : فقولوا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.