اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

( رب يسر برحمتك يا كريم وأغن يا رحيم ){[1]}

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة غافر

مكية وتسمى سورة الطول ، وسورة المؤمن ، وهي خمس وثمانون آية ، وألف ومائة وتسع وتسعون كلمة وأربعة آلاف وتسعمائة وستون حرفا .

قوله تعالى : { حم } كقوله الَمَ وبابه{[47830]} ، وقرأ الأخوان وأبو بكر وابن ذكوان بإمالة ( حا ) في السور السبع إمالة محضة ، وورش ، وأبو عمرو بالإمالة بين بين ، والباقون بالفتح ، والعامة على سكون الميم كسائر الحروف المقطعة{[47831]} . وقرأ الزهري برفع الميم على أنه خبر مبتدأ مضمر ، أو مبتدأ والخبر ما بعدها{[47832]} ، وابن إسحاق وعيسى بفتحها{[47833]} وهي تحتمل وجهين :

أحدهما : أنها منصوبة بفعل مقدر أي اقرأ حم ، وإنما منع من الصرف للعملية والتأنيث ، أو العلمية وشبه العجمة وذلك أنه ليس في الأوزان العربية وزن «فاعيل » بخلاف الأعجمية نحو قابيل وهابيل .

والثاني : أنها حركة بناء تخفيفاً كَأَيْنَ وكَيْفَ{[47834]} . وفي احتمال هذه الوجهين ولن الكميت :

4314 وَجَدْنَا لَكُمْ في آلِ حَامِيم آيَةً ***َ تأَوَّلَهَا مِنَّا تَقِيٌّ ومُعْرِبُ{[47835]}

وقول شُرَيح بن أوفى :

4315 يُذَكِّرُنِي حَامِيم والرُّمْحُ شَاجِرٌ *** فَهَلاَّ تَلاَ حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ{[47836]}

وقرأ أبو السَّمَّالِ بكسرها{[47837]} ، وهل يجوز أن يجمع ( حم ) على «حواميم » ونقل ابن الجوزي{[47838]} عن شيخه الجواليقي{[47839]} أنه خطأ وليس بصواب بل الصواب أن تقول قرأت آل حم{[47840]} ، وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم{[47841]} «إذَا وَقَعْتُ فِي آلِ حمَ وَقَعْتُ في رَوْضَاتٍ أَتأَنَّقُ فيهن »{[47842]} وقال سعيد{[47843]} بن إبراهيم : كلّ آل حم يسمين العرائس ، قال الكُمَيْتُ :

4316 وحدنا لكم في آل حاميم *** . . . . . . . . . . . . . .

ومنهم من جوزه ، وروي في ذلك أحاديث{[47844]} منها قوله عليه ( الصلاة و ) السلام : «الحَوَامِيمُ دِيبَاجُ القرآن »{[47845]} ، وقوله عليه الصلاة والسلام : «الحواميمُ سبعُ وأبوابٌ جهنَّمَ سبعُ : جهنمُ والحُطَمَةٌ ولَظَى والسعيرُ وسَقَرُ والهاويةُ والجحيمُ فتجيء كل جسم منهم يوم القيامة على باب من هذه الأبواب فتقول لا يدخل النار من كان يؤمن بي ويقرأني »{[47846]} وقوله عليه الصلاة والسلام : «لكل شيء ثمرةٌ وثمرةُ القرآن ذواتُ حم هن روضات حسان مخصبات متجاورات فمن أجب أن يَرْتَعَ في رِيَاضِ الجنة فليقرأ الحواميم{[47847]} » ، وقوله عليه الصلاة والسلام : «الحواميم في القرآن كمثل الحِبَرَاتِ في الثياب{[47848]} » وقال ابن عباس رضي الله عنهما لكل شيء لُباب ولُباب القرآن الحواميمُ .

فإن صحت هذه الأحاديث فهي الفصل في ذلك .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[47830]:ذكره الإمام القرطبي في الجامع معاني كثيرة لهذا عن ابن عباس أنه اسم الله الأعظم، وعنه أيضا اسم من أسماء الله تعالى أقسم به، وقال قتادة اسم من أسماء القرآن (انظر القرطبي 15/289).
[47831]:انظر هذه القراءات المتواترة في كل من السبعة 566 وإبراز المعاني 203: 702 والكشاف 3/412، والقرطبي 15/290، والإتحاف 377 والنشر 2/364 وحجة ابن خالويه 312 والكشف 2/242.
[47832]:الدر المصون 4/670 وشواذ القرآن 211.
[47833]:الدر ـ المرجع السابق ـ وانظر أيضا البحر 7/466 والكشاف 3/412.
[47834]:انظر بيان ابن الأنباري 2/328 والكشاف 3/412 والدر المصون 3/671.
[47835]:له من الهاشميات من الطويل وكان متشيعا فيهم ويقصد بآل حم السور التي في أولها "حم" وقد جعل "حاميم" اسما للكلمة ثم أضاف السور إليها، ويريد بالآية قوله في سورة الشورى: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}. والتقي في البيت هنا هو الذي يخفي تشيعه لآل البيت، والمعرب الذي يظهر ما في نفسه، وفي اللسان عن سيبويه: تقي معرب وقال: هكذا أنشده سيبويه كمكلم وقد استشهد بالبيت في أن "حم" فيها احتمالان: الأول: أن يكون علما منع من الصرف للعلمية والتأنيث أو للعلمية وشبه العجمية. والثاني: أن يكون مبنيا على الفتح غير معرب. وأرى أن الفتح فيه لالتقاء الساكنين لا للبناء فلا يشبه "حم" أي حرف في وجه من الوجوه، وانظر البحر المحيط 7/446 والدر المصون 4/670 والكتاب 3/257 وحجة ابن خالويه 312، واللسان عرب 265 وحمم 1006 والمقتضب 1/373 و3/356 ومجاز القرآن 2/193 والمقتصد 97 والهاشميات 18 وروي "منكم" وهو خطأ لا يتمشى مع مقصوده وانظر أيضا مجمع البيان 7/799 والطبري 24/27.
[47836]:هو له كما في بحر أبي حيان والمجاز لأبي عبيدة وشرح شواهد كشاف الزمخشري وأنشد للأشتر النخعي وشاهده كسابقه من الوجهين المحتملين وانظر البحر والدر والمجاز المرجع السابقة وكذلك المقتضب السابق وشرح شواهد الكشاف 4/511.
[47837]:من القراءة الشاذة غير المتواترة انظرها في البحر 7/446 ومختصرا ابن خالويه 132 وشواذ القرآن 211.
[47838]:الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد له تصانيف جليلة منها زاد المسير مات سنة 597.
[47839]:هو موهوب بن أحمد أبو منصور الجواليقي الإمام اللغوي صاحب كتاب المعرب وغيره، وانظر في ترجمة الأول طبقات الداودي 1/285 والسيوطي 61 وفي الثاني إنباه الرواة 4/335، 337.
[47840]:زاد المسير 7/204، 205.
[47841]:في ب: عنه عليه الصلاة والسلام.
[47842]:أخرجه البغوي في تفسيره عن ابن مسعود وكذلك الشوكاني في فتح القدير 4/479.
[47843]:في البغوي سعد.
[47844]:ومن المجوزين أبو عبيدة وانظر المجاز 2/93 و1/6، 7 والقرطبي 15/288 واللسان حمم 1006 وزاد المسير 7/204، 205.
[47845]:أورده السيوطي في الإتقان 2/196 عن ابن مسعود وانظر فتح القدير 4/479 والقرطبي 15/288.
[47846]:فتح القدير المرجع السابق عن خليل بن مرة.
[47847]:القرطبي السابق بدون سند.
[47848]:معاني الزجاج 4/365 والمرجع السابق وانظر الدر المنثور 24/268، 269.